مغامراتٌ عقيمة وتاريخ عميق

مارون مارون

وفقاً لمعادلة “لو كنت أعلم” التي اعتمدها “سيّد الممانعة” بعد حرب تموز ٢٠٠٦ لتبرير ما أقدم عليه، وما استجر بعدها من خسائر بشرية واقتصادية، وويلات ودمار على لبنان، اعتمد “سيّد العهد” معادلة مماثلة، بُعيد تفجير مرفأ بيروت، مفادها “لم أكن أعلم”، لتبرير التقصير الفادح الذي أودى بحياة ٢٠٦ أبرياء وآلاف الجرحى ودمار نصف العاصمة.

النتيجة واحدة، إخضاع لبنان لتدمير ممنهج على كافة المستويات، بدليل غياب متعمّد لأي شكل من أشكال المعالجة، وفي طليعتها الامتناع عن تشكيل حكومة تستعيد الثقة العربية والدولية، كما ترك الملفات تتراكم والمؤسسات تنهار الواحدة تلو الأخرى، وغالباً بالتزامن.

بكلام أوضح، وبعيداً من أسلوب اللف والدوران، فإن هدف نصرالله هو استراتيجي، يستوجب تغيير وجه لبنان وثقافته وحضارته، ليسهل بعدها التحكم به، بدءاً بإسقاط الطائف عبر فرض المثالثة، وصولاً إلى إعلان الدولة الإسلامية التي طالما نادى بها حتى منذ نعومة أظافره، والتي اتهم بها داعش للتمويه ولإبعاد كأس التطرف عنه، فيما الحقيقة أنه يُخطط لها ويخطو باتجاهها، كتفاً إلى كتف الغيارى الجُدد على دور المسيحيين في لبنان.

نصرالله يُمارس سياسة القضم، ووضع اليد على مقدرات الدولة ومفاصلها ومرافقها وحدودها، ويُقيم منظومة رديفة مكتملة المواصفات، إلى حين اكتمال مشروعه، تبدأ بمؤسسات الرعاية الصحية والغذائية والتربوية والمالية وصولاً إلى الأمنية منها والعسكرية.

بالمقابل، يغض نصرالله الطرف عن شريكه “سيد العهد” بالحصول على تعطيلٍ هنا وثلث مُعطّل هناك، أم مقعد نيابي هنا أو وزاري هناك، مدير عام هنا أو قاضٍ هناك، وغيرها من المراكز الدسمة فوق ركام الدولة أو تحت حطامها لا فرق، المهم أن العهد يحصد المراكز ويحمي حقوق المسيحيين، لناحية منحهم حق الخيار بين الهجرة إلى بلاد الله الواسعة، أو الارتضاء بالعيش ذلاً، فيما نصرالله يزرع بذور الدولة وشتولها التي تُحقق طموحه ليحكمها صاحب الزمان ونائبه في الحق الولي الفقيه.

فبين صاحب مشروع إخضاع لبنان لنموذج لا يُشبهه، وبين صاحب طموح لتوريث موقع رئاسي، لبنان ينحو إلى المجهول بسرعة الضوء، وشعبه يدفع ثمن مغامراتٍ أثبت التاريخ عقمها، كما أثبت تجذّر هذا الوطن وعمقه البالغ من عمر صخوره وشموخ جباله وصلابة رجاله، فلا تُتعِبوا أنفسكم، ولا تهدروا سنينكم، لأن لبنان باقٍ بوجهه المعهود ما بقي فيه البحر والشمس والسماء… والسلام.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً