النظام الرئاسي شعبوية “عونية” وحلم لن يتحقق

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

منذ أن خاطب “الجنرال” جمهور قصر بعبدا بعبارة “يا شعب لبنان العظيم”، كان ظاهراً للعيان أن لوثة حب السلطة تتحكم بـ”نابليون لبنان”، فهو يطمح إلى البقاء على الكرسي إلى أبد الآبدين، ويبدو أن كل تصلبه في المواقف السياسية التي بنى مجده عليها برفض اتفاق الطائف ومحاربة السوريين وسياسة إلغاء الآخرين بالقوة كانت مجرد إيهام بالتمايز، لكن تبين أنها لم تكن سوى شعارات شعبوية لذر الرماد في العيون.

ومن عرف عون في تلك الفترة يدرك تماماً مدى هوسه بالسلطة، وهو الذي يرد بالعنف على أي تساؤل لا يعجبه مطروح في الحياة السياسية اللبنانية، وهذا ما يفسر عداءه للصحافة، قلد عون أسلوب اتبعه الخميني قبيل الثورة الإيرانية، عبر تسجيل “الكاسيتات” وإرسالها إلى لبنان سراً بعد لجوئه إلى باريس، ليسمعها جمهوره وكي يبقي صورة “الرئيس القوي” في أذهانهم، مع أن الكل يعرف حكاية هربه إلى السفارة الفرنسية وترك جنوده ضحية سياسات العناد والحسابات الخاطئة، ولم يخف إعجابه بحكم الأنظمة الرئاسية، لأنها تحصر الكثير من الصلاحيات بيده وتجعله صاحب القرار فلا يجرؤ أحد على مخالفته وتبقى الديموقراطية أسيرة مزاج الحاكم ومستقبل البلاد أسير طموحات الأبناء والأحفاد والأصهار.

كان عون واضحاً في الحرب التي شنها على الطائف وهو منذ أن انتخب رئيساً يتباكى وصهره على حقوق المسيحيين ويريد الهيمنة على المؤسسات، ويمرر رسائل عبر عرقلة تأليف الحكومات وتصريحات عنترية عن الحقوق بهدف تحويل النظام اللبناني من نظام برلماني إلى نظام رئاسي وحتى “انتخاب رئيس من الشعب”؟!، لا بل إبداء الاعجاب العلني بنظام بشار الأسد في سوريا قاتل شعبه ومهجره، وعدم إخفاء هذا التماهي مع النظام الأسدي يفسر بوضوح قول عون للبنانيين الثائرين باستخفاف ظاهر “اللي مش عاجبو يهاجر”، و”لبنان ذاهب إلى الجحيم” دون أدنى شعور بالمسؤولية كرئيس للبلاد.

صحيح قد لا يكون رئيس الجمهورية وحده المسؤول عما تعيشه البلاد من كوارث، لكنه بحكم موقعه عليه أن يلعب دوره في عدم الانحياز لطرف سياسي أو مصالح عائلية أو تغطية أفعال أي قوة حزبية لديها مشاريع إقليمية تدخل لبنان في مجهول سياسات نشر الميليشيات المسلحة والمخدرات في العالم والتعدي على أمن دول شقيقة.

الفوضى الأمنية والسياسية والقضائية والمالية التي تعيشها البلاد والعرقلة التي تحصل نتيجة الشروط وتقديرات الصهر العزيز هي مؤشرات واضحة عن رغبة بإسقاط الدستور ريثما يكتمل مشروع للبنان الجديد تكون فيه حصة إيران وسوريا وازنة عبر نظام رئاسي يأخذ من صلاحيات رئيس الحكومة التنفيذية ويجعل من البرلمان مجرد واجهة، فهل يمكن للبنان العودة إلى الوراء؟ وماذا “ستفعل الماشطة بالوجه العكش”؟.

أحلام مزمنة وضرب للطائف

تعتبر مصادر متابعة أن الدعوة لنظام رئاسي اليوم تهدف إلى ضرب الطائف وهي موجودة في أحلام مزمنة للبعض، تريد النظام السابق الذي كان أصلاً نظام رئاسي، والدعوة للعودة له حتى تعود الصلاحيات الكافية إلى رئيس الجمهورية الماروني، أي من ضمن المنطق الطائفي نفسه، وهي دعوة “رجعية” لأنه إذا كان من الموجبات تجاوز “الطائف”، فانه يجب تجاوزه نحو اللاطائفية السياسية مثلا، هم يعتقدون أنهم قادرون على إقناع حلفاء لهم بعودة الصلاحيات الكاملة لرئيس الجمهورية الماروني، هذا حلم غير وارد على الإطلاق، النظام الرئاسي يمكن أن يكون هو المشكلة الأكبر للبنان وليس حلاً”.

وأشارت إلى أن “من يعرقل الحياة الدستورية هو من يملك ما تبقى من صلاحيات في موقع الرئاسة أي الرئيس وليس النظام البرلماني أو رئيس الوزراء أو تشكيل الحكومة، المشكلة هي بتوقيع رئيس الجمهورية على تشكيلة الحكومة، وبين الأنظمة الرئاسية والأنظمة البرلمانية كثيرون يعتقدون أن النظام البرلماني أكثر ديموقراطية لأن الاختيار يكون أوسع وأكثر تمثيلاً لكل القوى السياسية”.

لا يمكن القبول بالتسلط

وبحسب قراءة هذه المصادر، فإن “الحرب الأهلية حصلت حتى لا تبقى الصلاحيات محصورة بموقع واحد في السلطة، اليوم المادة 18 من الدستور أناطت الصلاحيات التنفيذية بمجلس الوزراء مجتمعاً وإذا كان هناك إشكالات بأخذ القرار في مجلس الوزراء فلا يعني ذلك العودة إلى شخص واحد يأخذ القرار، فهذه نزعة تسلطية وهي موجودة منذ زمن وليست جديدة،هي تكملة للتسلط الذي كان موجود قبل الحرب وخلالها ومستمرة مع ميشال عون الذي يسمي نفسه بالرئيس القوي”.

ولفتت إلى أن “الوضع في لبنان أعقد بكثير وليس لطرح النظام الرئاسي فرصة للنجاح، والدعوات إليه مباشرة أو مواربة مجرد مناورات لرمي المسؤولية عن العهد ووضعها على الأطراف الأخرى، أكثر مما هو طرح سياسي له إمكانية للحياة”.

وتشدد هذه المصادر على أنه من “الأفضل تطوير النظام الحالي نحو نظام أكثر ديموقراطية وغير مشوه، هذا هو الأنسب للبنان، وعلى أساس من يحصل على الأغلبية يحكم ويشكل حكومة والباقي يشكلون معارضة إلى أن تحصل انتخابات جديدة وتأتي بقوى أخرى تمتلك الأغلبية وهذا موجود في كل الأنظمة البرلمانية في العالم ولكن في لبنان بحكم التمثيل الطائفي، الحكومات دائماً ما تشكل على أساس تمثيل كل الأطراف فيها. يجب الخروج من هذا المنطق أي تمثيل الجميع بالحكومة والعودة إلى اللعبة البرلمانية العادية أغلبية وأقلية، كل من يحكم عندئذ يتحمل مسؤولية قراراته عندما يكون في السلطة وعندما يكون بالمعارضة يراقب عمل السلطة بدون الدخول في لعبة التمثيل الطائفي والإتيان بحكومات لا تعبر عن واقع الحال، والحل الأنسب يكون بتجاوز الطائفية، وهو أمر لا يجري الحديث عنه بسبب الخوف، لكن كما تبين هناك فرصة اليوم من خلال الجيل الجديد جرى التعبير عنها في 17 تشرين وأظهرت إمكانية للعبب لعبة ديموقراطية بغض النظر عن الطوائف. وإلا سنبقى نراوح ونعود إلى الوراء باقتراحات مجربة لا تدفع بالنظام اللبناني نحو التطور”.

عبد الله: هروب إلى الأمام وانقلاب على الدستور

يرى عضو كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب بلال عبد الله في حديث لـ “للبنان الكبير”، أن “ما نشهده اليوم هو استمرار لنفس الفكر الذي كان موجوداً منذ العام 1987 والذي استمر بعد اتفاق الطائف ووقف الحرب الأهلية اللبنانية والذي عاد إلينا للأسف على دم رفيق الحريري، تحت شعار إعادة المسيحيين إلى السلطة وهذه الشعارات الطائفية التي دائماً تبرز هنا أو هناك كأداة للسلطة وليس العكس، هناك من يحاول دائما تحت شعار صلاحيات المسيحيين وحقوق المسيحيين التي أهدرت على أيديهم في خيارات الحرب الخاطئة إذا اعتبروا أن في الطائف تراجعاً عن الصلاحيات التي تعطى للرئيس المسيحي هو كلام حق يراد به باطل الموضوع هو موضوع استئثار بالسلطة الاستئثار بالقرار المسيحي ولكن يبدو لهؤلاء الطائف ليس موجوداً، فمنذ بداية حكم الرئيس عون نرى بداية تكريس أعراف وممارسات خارج نطاق الطائف بنية الانقلاب على الدستور”.

وبحسبه أنه إذا كان لا بد من تعديل للدستور لا يجب أن يكون بالعودة إلى الوراء، بل باتجاه تطوير النظام نحو الدولة المدنية والعلمانية، اتفاق الطائف فيه مؤشرات لهذه الدولة المدنية عندما أقر بضرورة إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وصولاً إلى مجلس نواب خارج القيد الطائفي هذه الأمور تعتبر خطوات مرحلية من شأنها إيصالنا رويداً رويداً إلى دولة علمانية، وبعد سلسلة الحروب الطائفية والمذهبية على إيقاع صراعات المنطقة الإقليمية والدولية لا يجب أن يكون هناك أي تغيير إلا باتجاه دولة المواطنة وفصل الدين عن الدولة”.

ويتابع عبد الله: “الدعوة إلى نظام رئاسي محاولة فاشلة لذر الرماد في العيون بعد أن تحسست بعض القيادات أن الجو الداخلي يتراجع وهم على أبواب انتخابات نيابية أرادوا شد العصب وإعادة إحياء الأحلام التي أنهت لبنان وأضعفته”.

ورأى انه “من المعيب جداً طرح هذه الأمور اليوم، فالناس تئن من الجوع وتقلق على مستقبل أبنائها وهاجسها الأساسي العيش الكريم، فعن أي نظام يتحدثون وعن أي تعديل دستوري يبحثون، ما يروّجون له لا يعالج الأزمة الخانقة والتي ستتفاقم أكثر مع رفع الدعم والأولوية الآن هي لتشكيل حكومة والإصلاح وليس لاي أمر آخر، سوى إذا كان هناك رغبة بالهروب إلى الأمام لأسباب داخلية أو إقليمية خافية”.

علوش: ما يحكى تضييع للوقت ولا آالية له

يتساءل نائب رئيس تيار المستقبل، النائب السابق مصطفى علوش في حديث إلى موقع “لبنان الكبير” كيف يمكن أن نتحول إلى نظام رئاسي في ظل نظام طائفي؟، ويقول: “لا يمكن الحديث عن إمكانية نجاح مثل النظام في حل مشكلات لبنان، إلا إذا ذهبنا إلى نظام رئاسي لا يحدد طائفة الرئيس، وفي مثل هذه الحالة سيكون هناك بالـتأكيد أكثرية تنتخب الرئيس وفي الوقت ذاته يصبح ما يسعى إليه رئيس الجمهورية والكلام عن حقوق المسيحيين وما يروج له في خبر كان”.

وبرأيه أن “كل الكلام الذي يحكى في هذه اللحظة هدفه تضييع الوقت لأن لا آلية له، وعملياً هذا الاختلاف الحاصل أو المدفوع فيه إلى الأقصى في هذه اللحظة، وفي ظل وجود السلاح غير الشرعي ووجود “حزب الله”، سيذهب إلى أبعد من ذلك، وأنا ما زلت مقتنعاً أن الحل الوحيد الممكن هو الذهاب إلى رسم خريطة لبنان من جديد وعلى الأقل الجزء المسيحي منه يعود إلى لبنان الصغير وساعتها يتحول إلى نظام رئاسي أو غير رئاسي هذه مسالة أخرى، والإشكال الكبير يبقى عند السنة والشيعة، إذا أصبحت هناك دولة لـ “حزب الله” ذات حدود معينة مشتركة بين لبنان وسوريا، خاصة في المناطق على الحدود الشرقية للبنان التي احتلها “حزب الله” ولكن هذا يحتاج أيضاً إلى تفاهم دولي، لأنه ساعتها ستطرح قضية العلاقة مع إسرائيل وهل سيحصل تفاهم معها أم لا “.

واعتبر أن المشكلة الوحيدة ستكون في وضع السنة المنتشرين في 8 مناطق أساسية في لبنان ماذا سيحصل لهم وكيف سيجتمعون وأين، ويبقى أن الكلام عن نظام رئاسي خارج السياق للأسباب التي ذكرتها”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً