الـ”أيام السود” للقضاء اللبناني

لبنان الكبير

في أكثر الأوقات حراجة من تاريخ لبنان السياسي والاقتصادي والقضائي تطل مسألة ولاية مجلس القضاء الأعلى على المشهد القاتم، ليزيد البلاد انهياراً وتصريفاً للأعمال، بعد الخضوع منذ عشرة أشهر لحكومة مستقيلة تصرف الأعمال ولا تأتي بنتائج سوى الأزمات المتلاحقة.

ولاية مجلس القضاء الأعلى تنتهي في العشرين من الشهر الجاري، ليعلن عن توقف صلاحياته ومهامه ووضعه في دائرة التعطيل من دون أي مجال للتمديد، ما ينبئ بانهيار الصرح الذي كان يعول عليه من أجل إنقاذ ما تبقى من صورة لبنان، التي يصر البعض على تشويهها، بعدما شهد القضاء في الفترة الأخيرة حملة شعواء وتصرفات من قبل بعض القضاة، لا سيما منهم القاضية غادة عون، لم يشهد لها مثيلاً في تاريخه، فصارت سمعة القضاء في قعر الهاوية حيث يعيش أياماً سوداء، بحسب ما وصفت مصادر قضائية رفيعة لموقع “لبنان الكبير”.

الأنظار تتجه بدايةً الى يوم الانتخابات لقاضيين من رؤساء الغرف لعضوية هيئة محكمة التمييز، حيث تمت الدعوة لها في 18 أيار. وهذه الانتخابات تمر عادة بهدوء حيث ينظم مجلس القضاء الأعلى محضراً بالجلسة، ويحيله الى وزيرة العدل ماري كلود نجم، من باب تبليغها بانتخاب عضوين جديدين في مجلس القضاء الأعلى، على أن يبدآ ممارسة مهامهما بعد قسم اليمين.

وتشير المصادر القضائية إلى أنه حتى لو تم انتخاب القاضيين لا يزال المجلس بحاجة الى ستة أعضاء لتأمين النصاب لعقد أي جلسة، إذ أنه من المتعارف عليه أن المجلس يتألف من عشرة أعضاء، ثلاثة منهم حكميون يبقون في مناصبهم طيلة المدة غيرالمحددة لتوليهم مهامهم وهم: الرئيس الأول لمحكمة التمييز رئيساً، والنائب العام لدى محكمة التمييز، ورئيس هيئة التفتيش القضائي، إذ يعينون بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير العدل، إضافة الى خمسة أعضاء معينين لثلاث سنوات غير قابلة للتجديد، وعضوين منتخبين من قبل رؤساء ومستشاري محكمة التمييز لثلاث سنوات أيضاً غير قابلة للتجديد.

العقدة تكمن في المرسوم المتعلق باقتراح تعيين خمسة أعضاء لمجلس القضاء الأعلى، الذي تنتهي ولايته في 20 أيار الجاري مع انتهاء ولاية الأعضاء السبعة غير الحكميين من دون القدرة على تعيين بدلاء عنهم، والذي قد يواجه عقبة عدم توقيعه من قبل رئيس الحكومة حسان دياب ورئيس الجمهورية ميشال عون في ظل الأزمة الراهنة، والمتمثلة بالخلاف على عقد جلسة لمجلس الوزراء في ظل حكومة تصريف الأعمال، واعتبار أي تعيين في فترة تصريف الأعمال من المهمات غير الدستورية.

المصادر القضائية تؤكد لـ”لبنان الكبير” أن هذا المرسوم لا يحتاج الى جلسة لمجلس الوزراء بل الى مرسوم جوال، إلا أن النكايات السياسية قد تنعكس على هذا الأمر ما سيسبب فراغاً في عمل السلطات القضائية في حال عدم توقيع المرسوم. وتتوقع المصادر أن يصار إلى مناقشة هذا الموضوع بين المعنيين نظراً لحساسيته وتأثيره على عمل القضاء.

ويتوجس القضاة بحسب المصادر من أن تتعرقل الأمور، على غرار ما حصل مع التشكيلات القضائية، التي لا تزال في ادراج رئاسة الجمهورية والتي من شأنها، في حال توقيعها، أن تمنع الفراغ. فهل تفلح مساعي وزيرة العدل في معالجة هذه المسألة وإمرار المرسوم إضافة الى إبعادها عن التجاذبات السياسية والتي تسعى لتفريغ السلطة القضائية من أحد أبرز مرافقها، أم أن المعايير والصفات التي يجب أن يتمتع بها القضاة والتوازن الطائفي سيحكمان على فشلها من عدمه؟

إذ أن الأعضاء الخمسة هم: قاض من رؤساء غرف محاكم التمييز، وقاض لرئيس وحدة في وزارة العدل أو من رؤساء إحدى المحاكم، ورئيس من غرفة البداية، ورئيسان من غرف الاستئناف. وتكمن المشكلة، بحسب المصادر القضائية، في أن الغرف تعاني من الفراغ بسبب إحالة القضاة على التقاعد ورؤساء الغرف ليسوا أصيلين ويقومون بالعمل وفق التكليف أو الإنابة، وهذا الفراغ يحتاج الى توقيع التشكيلات القضائية لملئه كي تستقيم الأمور في مجلس القضاء الأعلى.

وبناء على ما تقدم هل سيقوم مجلس القضاء الأعلى بتصريف الأعمال في المرحلة المقبلة على غرار مجلس الوزراء؟ وهل يتحمل الرئيسان عون ودياب فراغاً جديداً في السلطة يوازي جملة فراغات وشلل في عدة قطاعات تسحب البلد الى اتجاه مجهول لم يعد ينفع معه أي حلول؟.

وهنا تشير المصادر القضائية الى أن حركة المجلس ستبقى ضمن الإجراءات الإدارية الضيقة، حيث لا يعود بإمكانها مثلاً متابعة مسألة التشكيلات والمناقلات القضائية المجمدة في قصر بعبدا من دون التوقيع عليها.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً