اجتياح لبنان بحرياً… هل ضاعت ثروته النفطية؟

محمد شمس الدين

6 حزيران 1982، تاريخ بدء الاجتياح الاسرائيلي للبنان، الذي استمر 18 عاماً. تأتي الذكرى هذه السنة بالتزامن مع اجتياح اسرائيلي من نوع آخر، استباح المياه اللبنانية، حيث وصلت سفينة وحدة انتاج الغاز الطبيعي المسال وتخزينه “Energean Power”، إلى المنطقة الاقتصادية المتنازع عليها في الحدود البحرية الجنوبية. هذا التعدي الخطير، يأتي وسط تلكؤ من الدولة بكامل أجهزتها، وتحديداً من رأس الدولة، الذي لا يزال إلى اليوم لم يوقع المرسوم 6433، الذي يحدد المنطقة الاقتصادية الخاصة بلبنان، أي الخط 29، وكذلك بعد تهريبة قرار الحكومة مطلع الشهر الماضي، بالتمديد لشركة “توتال”، التي أجمعت كل القوى تقريباً على أنها تماطل في البدء بعمليات استخراج النفط. لذلك تتجه الأنظار إلى ردة فعل “حزب الله” والممانعة، التي لطالما رددت أنها لن تسمح لاسرائيل باستباحة ثروة لبنان النفطية.

بعد وصول السفينة، أًصدرت رئاسة الجمهورية بياناً اعتبرت فيه ذلك “عملاً عدائياً على لبنان”، فيما رأت رئاسة الحكومة أن “هذا التصرف من شأنه إحداث توترات لا يمكن توقعاتها”. وضجّ الرأي العام اللبناني بالقضية، وكان لافتاً موقف النواب التغييريين، الذين دانوا تلكؤ السلطة في توقيع المرسوم 6433، معلنين أنهم سيعقدون مؤتمراً صحافياً اليوم، للحديث عن خطواتهم العملية لتثبيت حقوق لبنان في غازه ونفطه. ولكن وسط هذا الضجيج، خيّم الصمت على “حزب الله” وقوى الممانعة ككل، فما السبب؟ وهل ستضيع ثروات لبنان كما ضاعت أموال المودعين؟

“حزب الله” مرتاح

أكدت مصادر دوائر “حزب الله” لموقع “لبنان الكبير”، أن الشعبوية في هذا الملف لا تفيد، موضحة أن الحزب “اذا اتخذ اليوم قراراً باعتبار الخط 29 هو حق لبنان، وتصرف مع العدو على هذا الأساس، ثم كان قرار الدولة هو الخط 23، فسيكون بالشكل تقديم تنازل. أما إذا اعتبر الحزب أن الخط 23 هو حق لبنان، وتعامل مع العدو الصهيوني على هذا الشكل، ثم قررت الدولة أن الخط 29 هو حق لبنان، فسيظهر الحزب أيضاً بمظهر من كان متنازلاً عن حقوق لبنان. لذلك الأفضل اليوم الانتظار، والمسؤولية تقع على الجميع، بدءاً من رئيس الجمهورية ومجلسي الوزراء والنواب، إلى كل اللبنانيين. هذا حق لبنان، ولا يمكن أن يدار الملف بالشعبوية وتسجيل النقاط السياسية، والمقاومة جاهزة لأي قرار تتخذه الدولة اللبنانية، وهي تستطيع فرض سيادة لبنان بالقوة”.

ولكن لطالما اتسم عمل الدولة اللبنانية بالبيروقراطية والعجز، وما ذكرى الاجتياح إلا دليلاً على ذلك، فهل أصابت البيروقراطية الحزب؟ في هذا السياق علقت المصادر بالقول: “إذا وصلت المقاومة الى قناعة بأن الدولة عاجزة عن اتخاذ قرار في ما يخص حقوق لبنان، ووصلت الأمور الى أن العدو يسرق ثرواتنا، عندها سيكون للمقاومة موقف حازم، ولن تقف مكتوفة الأيدي، كما اعتادت في تاريخ هذا البلد. المقاومة ستتصرف عند عجز الدولة وغيابها، واليوم لا تزال الفرصة سانحة أمام الدولة لاتخاذ الموقف الحازم والجريء وإلا فالبيان رقم واحد لن يتخطى الأشهر الثلاثة قبل صدوره”.

وعن الضجة التي تشهدها الساحة اللبنانية اليوم، والتي تسأل عن ردة فعل “حزب الله” على العدوان الاسرائيلي، أعربت المصادر عن ارتياحها لها، مؤكدة أن “هذه المزايدات مريحة للمقاومة، فهي تُلزم أًصحابها بكلامهم، وعندما يأخذ الحزب القرار بحق العدو الاسرائيلي لا يمكنهم اعتبار الحزب مغامراً، بل انهم أعطوا المقاومة شرعية عندما يطالبونها بالتصرف، وأي موقف مغاير وقت الحزة، سيسقطهم أمام الرأي العام”.

أما حركة “أمل” فأكدت مصادرها أنها تلتزم بما ورد في خطابات الرئيس نبيه بري المتعلقة بموضوع ترسيم الحدود، وهي بصدد الاجتماع والتواصل مع كل القوى ليصدر موقف موحد للبنان ضد هذه الاعتداءات. أما موقف الحركة نفسها فهو في أي حال سيكون على مبدأ “عدم التفريط بكوب ماء”.

الدولة باعت حقوق لبنان

ورأى مصدر مواكب لمفاوضات ترسيم الحدود في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “السلطة بكل من فيها باعت حقوق لبنان النفطية، وهذا ليس سراً، يمكن فقط مراقبة أداء الدولة، من التلكؤ في توقيع المرسوم 6433، إلى عدم البدء بالتنقيب في البلوكات غير المتنازع عليها، كلهم يخافون من العصا الأميركية، وكلهم يراوغون ويزايدون أمام الجمهور، وببساطة فإن عجز السلطة الديبلوماسي يعني عجزها العسكري أيضاً. ومن جهة حزب الله، فإن ارتباطه بالشؤون الاقليمية أضعف موقفه الداخلي، وهو اليوم لا يمكنه القيام بأي عمل ضد اسرائيل، قبل الرجوع إلى ايران التي تفاوض أميركا، وأي تصرف لحزب الله قد يحرجها في المفاوضات، ويمكن اليوم القول: عواد باع أرضه”.

انه اجتياح جديد للبنان وسيادته، وقرصنة بحرية اسرائيلية لحقوقه وثرواته. بينما تغرق السلطة في انقساماتها وأزماتها، ستضيع على اللبنانيين الحقوق البحرية لبلدهم كما ضاع جنى عمرهم في المصارف، اذ أن الأزمة تقارب الـ 4 سنوات، ولا تزال السلطة حتى الآن تفشل في إقرار الإصلاحات اللازمة للنهوض بالاقتصاد، على أمل أن لا ينتظر لبنان 18 عاماً لتحصيل حقوقه مثلما حصل بعد اجتياح العام 1982، عندها لن تكون هناك ثروة نفطية متبقية للحصول عليها بعدما يكون العدو الاسرائيلي قد أفرغها جميعها ولن يبقى للبنان حتى الفتات!.

شارك المقال