…وسقطت “مقاومة” حزب الله

راما الجراح

منذ أربع سنوات نشرت صحيفة “هآرتس” العبرية مقالاً بعنوان “إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة” للكاتب الإسرائيلي آري شبيط، جاء فيه أن “الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا على شبابهم الغانيات وبنات الهوى والمخدرات، وقلنا ستمر بضع سنوات، وسينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بجيلهم الشاب يفجر انتفاضة الـ ٨٧، أدخلناهم السجون وبعد سنوات عادوا إلينا بانتفاضة مسلحة عام ٢٠٠٠، قررنا هدم بيوتهم وحصارهم، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها، فأخذنا نخطط لهم بالجدران والأسلاك الشائكة، وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وبالأنفاق، حتى أثخنوا فينا قتلاً في الحرب الماضية، حاربناهم بالعقول، فاستولوا على القمر الصناعي (عاموس) وأدخلوا الرعب إلى كل بيت في إسرائيل، عبر بث التهديد والوعيد، كما حدث حينما استطاع شبابهم الاستيلاء على القناة الثانية اليهودية”!

خلاصة القول، إنه ليس من السهل مواجهة شعب عنيد مقاوم، تآمرت عليه الدول، خذله أشقاؤه العرب، وبقي وحده في الميدان، مُتمسكاً بالقضية، ماضياً في طريق القدس الأساسي المباشر ولم يلتف حوله مروراً بسوريا والعراق!

كانت ليلة البارحة مُقدّسة، لم تنتظر المقاومة الفلسطينية الزمان والمكان المناسبين للدفاع عن حقوقها وكرامتها، حتى هبطت صواريخ العيد في تل أبيب، وأعلن المحتل حالة الطوارئ في مدينة اللد المحتلة لأول مره منذ عام ١٩٦٦، وسقط الاحتلال باحتلال القوى الشعبية الفلسطينية للمدينة حتى أصبحت اللد مدينة داخلية محررة. جميعنا شاركناهم فرحة الرد الذي كان يفوق التوقعات مقارنةً بالقدرات العسكرية، فهذه المرة كانت مختلفة عن سابقاتها، لم ينتظروا أحداً لمساندتهم أو دعمهم، لأنهم أدركوا جيداً أنهم سيدفعون الثمن وحدهم، وأن “المقاومة” تُطلق على مَن يقاوم العدو الأوحد وغيره أبداً!

لم يعُد ملفتاً تأخر ردة فعل “حزب الله” الذي يدّعي المقاومة على ما يحصل في فلسطين المحتلة، أو اقتصاره على رفع جهوزيته على الحدود، أو نصرة فلسطين وأهلها عبر الدعوة إلى رفع التكبيرات في المآذن وعلى الشرفات. فزمن حيفا وما بعد حيفا ولّى، والانتصار الوهمي الذي خدعونا به عام ٢٠٠٦ والذي كان تنفيذاً لأوامر الولي الفقيه لن يمر اليوم، انكشف المستور، ولا سُبل مقنعة بعد اليوم لتلميع صورة “حزب الله” الذي أصبح مُدرجاً على قائمة المنظمات الإرهابية، والذي نكّل وقتل واغتصب أهل سوريا والعراق وأرضها، والذي استنزف طاقة شبابه في أرضٍ ليست أرضه بحجة مواجهة مشروع “داعش” الذي كان بنظرهم سيحتل لبنان ويصل إلى جونية. فسقط القناع وسقطت الحجّة بعد تأمينهم للدواعش أنفسهم بحافلات مُكيّفة للعودة إلى سوريا من جرود عرسال!

تحول “حزب الله” من حركة مقاومة إلى حركة “مقاولة” تُنفذ أجندات إيرانية على امتداد الأراضي العربية. وبعدما كان هدفه الأول تحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي أصبح طموحه الهيمنة والسيطرة على قاعدة تأييده بعدما كانت خطاباته السياسية الرنّانه تحشد له آلاف المؤيدين، وهوسه السلطة والقوة.

“حزب الله” الذي يحسب نفسه “مقاوماً” حتى في تدخله في حرب سوريا عام ٢٠١١، لم يكن كذلك، حتى إن الرد على الضربات الإسرائيلية التي كانت تطال عدة مواقع عسكرية تابعة لإيران والحزب في سوريا لا يزال مصيره معلقا بالزمان والمكان المناسبين، عدا عن العقوبات التي فرضتها أميركا على إيران والحزب وتسببت بأزمة مالية في صفوفه وضيّقت عليه تقسيم تمويله بين العسكري للمحاربين وخدماتي للقاعدة الشعبية.

وبعدما ارتدت مقاومة “حزب الله” ثوب العار بالمجازر الإنسانية التي افتعلتها في سوريا، هل سننتظر منها خيراً بحق القضية الإنسانية الفلسطينية؟ ولو قررت إعادة ارتداء سيناريو عام ٢٠٠٦ سيكون فضفاضاً عليها، فمن يقتل الأبرياء مره يقتلهم كل مرة ولو اختلفت العواصم والدول، ففلسطين ليست شمّاعة لأحد بعد اليوم.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً