اللاجئون السوريون… بين المفاهيم الخاطئة وخطة السلطة “الغافية”

محمد شمس الدين

دهمت شرطة بلدية الدكوانة منازل اللاجئين السوريين في نطاقها، واعتقلت بعضاً منهم، وصادرت هوياتهم، ولم تقبل بإعادة الهويات إلا بعد التوقيع على تعهد بالعودة إلى بلادهم. الحادثة ليست جديدة في لبنان، الذي يعاني من أزماته المتتالية ولا سيما الاقتصادية منها، إضافة إلى أزمة اللاجئين، ما تسبب بنوع من العنصرية تجاههم، فعبارات مثل: “يسرقون وظائفنا”، “يقبضون بالدولار”، “عالة على الاقتصاد”، “يتهربون من الضرائب” وغيرها الكثير… أصبحت متداولة جداً بين اللبنانيين، فهل فعلاً اللاجئون عالة على الاقتصاد؟ وهل يرفضون فعلاً العودة إلى بلدهم بسبب معاشات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية؟ وهل الحل هو في إعادتهم بالقوة إلى بلادهم؟

رئيس “المركز اللبناني لحقوق الانسان” وديع الأسمر أكد في حديث لموقع “لبنان الكبير” أنه “لا يمكن إعادة أي لاجئ بالقوة إلى بلده”، موضحاً أن “شرعة حقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية ومعاهدة مناهضة التعذيب، التي وقع عليهما لبنان، تنص على ذلك، وبغض النظر عن رأينا، بالنسبة الى الأمم المتحدة سوريا ليست آمنة، ولذلك قد يكون اللاجئون في خطر، وإن أقدم لبنان على إعادتهم بالقوة، فسيتعرض للمساءلة الدولية”.

أما عن كون اللاجئين عالة على الاقتصاد، فاعتبر الأسمر أن “هذا الموضوع هو موضع نقاش طويل، فالقول إن أزمة اللاجئين حدث عابر فقط، هو انفصام عن الواقع، إن كان من ناحية أعدادهم، أو قدرات البلد الاستيعابية، أو البنى التحتية للبلد. ولكن القول إن اللاجئين هم عالة على الاقتصاد، فهذا الكلام غير دقيق. الأزمة الاقتصادية في لبنان متشعبة، وهي بدأت قبل قدوم اللاجئين، بحيث بدأ الانهيار في العام 2011 مع بدء الحرب في سوريا، وانهيار الأمن فيها، مما تسبب بانقطاع خطوط الامدادات والتصدير إلى دول الخليج، وانحدر الاستثمار في لبنان”.

ولفت الأسمر الى وجوب “القيام بدراسة جدية ومحايدة، لتظهر أن قسماً كبيراً من الأموال التي تصل إلى اللاجئين يعود بالنفع على الاقتصاد اللبناني، مثلاً اللاجئ تصله أموال لدفع إيجار المنزل، من يملك هذا المنزل، أليس اللبناني؟ بعيداً عن استغلال بعض التجار لوضع اللاجئين. أما لجهة الخدمات التي يحصل عليها اللاجئ، مثل المياه والكهرباء، فاللوم هو على الدولة، التي لا تملك خطة واضحة للجوء، بحيث كان بامكانها تحصيل ثمن هذه الخدمات من المجتمع الدولي، علماً أن الخدمات الرديئة نفسها التي يحصل عليها اللاجئون يحصل عليها المواطنون اللبنانيون”.

ومن ناحية الوظائف والأعمال، اعتبر الأسمر أن “اللوم يقع على الدولة أيضاً، اذ ليس لديها تصنيف لصفة لاجئ، ولو كانت تملك هذا التصنيف لأمكنها تحديد من هم اللاجئون، فإما منعهم من العمل والحصول على مساعدات من المجتمع الدولي، أو السماح لهم بالعمل في وظائف معينة”. وأشار الى أن “هناك مفاهيم خاطئة في الرأي العام اللبناني، فليس كل اللاجئين يقبضون من المنظمات الدولية، ومن يحصلون على مساعدات من الأمم المتحدة والمنظمات هم بين 17% و30% في أقصى حد، وهي مساعدات لا تكفي للعيش الكريم، وليس صحيحاً أن المساعدات بالفريش دولار، فهي تصل إلى المصارف ويقبض اللاجئ على سعر 3900 أو 8000، مما يضطره الى العمل، لتأمين ما ينقصه وعائلته، وهنا يستغل من أرباب العمل، الذين يوظفونه، من دون دفع الضرائب والمترتبات مثل الضمان مثلاً، وبمعاشات أقل من الحد الأدنى. ولو أن الدولة تفرض بالقانون أن يكون توظيف اللاجئ مثل العامل اللبناني، لما كانت هناك منافسة لليد العاملة اللبنانية، إضافة إلى ذلك، فإن كل المشاريع التي تنشأ من أجل اللاجئين، تكون فيها نسبة كبيرة من اللبنانيين”.

وشدد على أن “التقصير الأول بحق عودة اللاجئين هو من النظام السوري، الذي لا يقدم حوافز وضمانات من أجل عودتهم”، متسائلاً: “هل تقبل الدولة السورية عودة لاجئي القصير وغوطة دمشق إلى أراضيهم أم سيرسلوا إلى مناطق أخرى؟ وماذا عن المفوضية السامية للاجئين في سوريا؟ فهي ممنوع عليها التحرك على الأراضي السورية إلا بإذن الدولة، فإذا عاد مثلاً ألف لاجئ من لبنان، ووضعوا في منطقة معينة، لا يمكن للمنظمات الدولية الاطمئنان عليهم، هل يعيشون في ظروف مقبولة؟ هل يتعرضون للاعتقال والتعذيب؟ لذلك إن المسؤولية الأولى تقع على الدولة السورية، التي يجب أن تصدر تطمينات لمواطنيها، حتى يشعروا بالأمان ويعودوا إلى بلادهم. أما التقصير الثاني فهو من المنظمات الدولية، التي يجب أن تتخذ الاجراءات التي تمكنها من مراقبة وضع اللاجئين بعد عودتهم إلى سوريا”.

من جهة أخرى، أكد الأسمر وجوب محاربة العنصرية، “فالعديد من الادعاءات التي أًصبحت مسلمات عند اللبنانيين غير صحيحة، مثلاً غير صحيح أن اللاجئ يتقاضى مالاً عن كل ولد، فهناك عدد محدد للأولاد في كل عائلة، أب وأم و5 أولاد. وغير صحيح أيضاً ما ادعاه أحد الوزراء منذ فترة عن كون جميع المجرمين الجدد هم من الجنسية السورية، هذا كذب، أعداد السوريين في السجن، نسبياً موازية لأعداد اللبنانيين فيه، أي 2% أو 3%. وغير صحيح كذلك أن اللاجئ يهرّب أمواله إلى سوريا، فنظام الدولة هناك، إذا كنت تتعامل بغير العملة الوطنية تحاسب”.

أضاف: “هذا لا يعني أنه ليست هناك إشكاليات، ولكنها تحل عبر خطة استراتيجية من الدولة، ونحن منذ 10 سنوات نطالب السلطة اللبنانية الغافية عن هذا الموضوع، والتي تستخدم ملف اللاجئين في السياسة والانتخابات، بأن تقوم بحوار وطني، وتضع خطة جدية، ولكن من دون جدوى. ويجب العمل أيضاً على محاربة العنصرية بين شعبي البلدين، وقول الحقائق من دون تزوير، وكذلك على الأمم المتحدة ومنظماتها أن تكون لديها شفافية أكثر، عبر الاعلان عن مساعداتها، وكم تعطي للسوريين واللبنانيين”.

شارك المقال