الصين والعلاقات عبر الأطلسي بين التناقض والتكامل

حسناء بو حرفوش

يعتبر صعود الصين أحد أكبر التحديات التي تواجه العلاقات عبر الأطلسي. وصحيح أن للدول الأوروبية والولايات المتحدة مخاوف مماثلة بشأن الصين، لكن هناك عقبات أساسية تعوق اتباع نهج أكثر تكاملاً، وفقاً لورقة بحثية في موقع معهد “تشاتام هاوس”.

وحسب البحث الذي درس العلاقات عبر الأطلسي من منظور أربعة مجالات سياسية مختلفة، كالتجارة والاستثمار والتكنولوجيا الرقمية وتغير المناخ والمشاعات العالمية، “لا تزال الولايات المتحدة في عهد الرئيس جو بايدن ترى نفسها في (منافسة استراتيجية) مع الصين، بينما حددت المفوضية الأوروبية الصين بصفتها (منافسة منهجية)”. ومع ذلك، لا تزال هناك خلافات بين أوروبا والولايات المتحدة على مستوى التحدي، وكذلك داخل الاتحاد الأوروبي حول المستوى المطلوب للمشاركة الاقتصادية والسياسية مع الصين وحول استجابات السياسة على المستويات الوطنية والثنائية والعالمية.

وبينما تتشارك الدول الأوروبية والولايات المتحدة المخاوف بشأن صعود الصين الاقتصادي والجيوسياسي، فإن العلاقة عبر الأطلسي بعيدة عن التسوية عندما يتعلق الأمر بتطوير استجابة متماسكة للتحديات التي تطرحها الصين. وتوجد عقبات أمام تعاون أوثق عبر جميع مجالات السياسة الأربعة.كما أن المنافسة بين أوروبا والولايات المتحدة تعوق التعاون الأعمق عبر الأطلسي.

وفي حين أن سرد السنوات الماضية ينطوي على إجماع سياسي متزايد في العديد من الدول الغربية في ما يتعلق بالصين، فالحقيقة هي أن العديد من المؤسسات والقطاعات في تلك البلدان تحتفظ بمصالح مختلفة، سواء كانت في القطاع الخاص أو القطاع العام أو غير حكومية بطبيعتها. وعلى سبيل المثال، تواصل شركات التكنولوجيا الأميركية الاعتماد بشكل كبير على المقاولين والموردين الصينيين، بينما لا تزال شركات السيارات الألمانية تعتمد على الطلب من السوق الصينية. وعلى جانبي المحيط الأطلسي، تؤمن الجماهير المؤثرة باتباع نهج أكثر اعتدالاً تجاه الصين وتفضل الانخراط على المواجهة، وتريد إعطاء الأولوية للاقتصاد على حقوق الإنسان، أو يمكنها رؤية فوائد المشاركة المستمرة في مجالات مثل حماية البيئة وندرة الموارد.

ويضع هذا في الواقع التحالف عبر الأطلسي في وضع غير مؤات عند مواجهة عملية صنع القرار في الصين. وبينما يمكن العثور على وجهات نظر مختلفة في النظام الصيني، فإن هيكل القيادة المركزية أكثر تركيزاً وأصبح أقوى خلال رئاسة شي جين بينغ. على سبيل المثال، بينما تكافح السلطات الأوروبية والأميركية لتنظيم قطاعاتها الرقمية، عانت شركات التكنولوجيا في الصين مؤخراً من قمع تنظيمي كبير. ومن الواضح أن بكين تمتلك قدرة أكبر على جذب الشركات، مقارنة بالحكومات الغربية. وحتى لو تمكنت السلطات الأميركية والأوروبية من الاتفاق على مسار عمل، فليس من الواضح ما إذا كان القطاع الخاص سيتبعه بالضرورة.

وتجدر الإشارة إلى أن الشراكة عبر الأطلسي كانت لتسمح بالتعبئة والاستجابة بسرعة للغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في شباط 2022، مما يشير إلى أنه ليس من المستحيل على الدول الغربية التغلب على الخلافات الداخلية لفرض عقوبات صارمة وعقابية على الخصم. لكن ليس من الواضح ما إذا كانت الصين ستلجأ الى مثل هذا العمل القتالي مثل روسيا للحث على رد مماثل. ومن الصحيح بالقدر نفسه أن روابط روسيا بالاقتصاد العالمي ليست هي نفسها كما علاقات الصين. وبينما لا يزال هناك اعتماد متبادل عميق بين أوروبا وروسيا في قطاعات معينة (على سبيل المثال، في مجال الطاقة)، يتبلور في أوروبا في الوقت الحالي اتجاه الى كسر هذا الاعتماد.

ويقوم الاتحاد الأوروبي بالسعي إلى دور الوساطة أو القيادة في مجالات السياسة الخاصة بالتجارة والرقمية والتكنولوجيا وتغير المناخ والحوكمة العالمية. وتعتبر القوى الأوروبية نفسها مستفيدة وأبطالاً للنظام الدولي ومؤسساته. كما أنها تعتبر الاتحاد الأوروبي جهة فاعلة إستراتيجية مستقلة وتفضل التحرك نحو استقلال ذاتي أكبر عن الولايات المتحدة بدلاً من زيادة التبعية. وقد يكون هذا الشعور أقوى في ظل بعض الادارات الأميركية من البعض الآخر. لكن الدرس الرئيس لأوروبا من رئاسة (دونالد) ترامب هو أن الولايات المتحدة قد لا تبرز دوماً كلاعب وشريك موثوق به في الشؤون الدولية. وحتى في ظل رئاسة بايدن، يبدو أن شراكة “أوكوس” (AUKUS) والانسحاب الفوضوي للقوات الأميركية من أفغانستان بعكس الرغبات الأوروبية قد أكد الشعور السائد بين بعض دول الاتحاد الأوروبي بأنها تفتقر الى التأثير على صنع القرار في واشنطن.

ويخلص البحث من جملة أمور أخرى إلى أن الافتقار الحالي الى الثقة داخل النظام الدولي يجعل إشراك الصين صعباً. ومع ذلك، من الضروري إشراكها في المحادثات العالمية خصوصاً وأنها تعد جزءاً رئيساً من النظام العالمي ومن غير المرجح أن يتغير هذا الوضع بشكل أساس على المدى المتوسط. لكن إيجاد توازن بين مشاركتها ووجهات النظر المتنافسة داخل التحالف عبر الأطلسي والصين الحازمة بشكل متزايد سيشكل التحدي الأكبر أمام الغرب في العقد المقبل أو أبعد من ذلك”.

شارك المقال