هل يمهد ماكرون لتسوية روسية – أوروبية؟

حسناء بو حرفوش

يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد تعلم الدرس الخطأ من تداعيات الحرب العالمية الأولى، وقد يخاطر بالوقوع في فخ قديم، حسب قراءة في موقع “The Spectator”. ومع ذلك، ربما تندرج مساعيه الأخيرة في إطار التمهيد لتسوية أوروبية تضمن الإندماج الروسي بشكل سريع.

ووفقاً للمقال، “يجب أن يحصل إيمانويل ماكرون على مستشار تاريخي جديد، فهو يواصل تكرار ضرورة عدم إذلال روسيا بعد غزوها وحربها ضد أوكرانيا، وهذا ما قام به مؤخراً في مؤتمره الصحافي الخميس الماضي في كييف. وينتزع السياسيون من دون تمييز الأمثلة التاريخية لتبرير السياسات المثيرة للجدل. بالنسبة الى ماكرون، كانت آثار الحرب العالمية الأولى بمثابة تحذير من مخاطر إذلال الخصوم. ووفقاً للرئيس الفرنسي، أدت الاهانة التي تعرضت لها ألمانيا في معاهدة فرساي للسلام في العام 1919 إلى خسارة الحلفاء للسلام وتخطيط ألمانيا للانتقام وتجدد الحرب بعد عشرين عاماً.

لكن بالنسبة الى مؤرخي العلاقات الدولية المعاصرين، بقيت وجهة النظر القائلة بأن الحلفاء أذلوا ألمانيا بعد الحرب العظمى، محط نزاع حاد منذ سنوات. وتثبت الأرشيفات الألمانية أن هذه الأسطورة حصلت على تمويل بسخاء وترويج دولي بعد العام 1919 من خلال حملة دعاية ألمانية قوية مقرها وزارة الخارجية الألمانية ادعت “مكافحة الأكاذيب المتعلقة بمسؤولية الحرب”. وسعت هذه الحملة إلى دحض المسؤولية الألمانية عن اندلاع الحرب العالمية الأولى للطعن في شرعية معاهدة فرساي وجميع شروطها. وخلال هذه الحملة، استهدف الحلفاء والدول المحايدة ومجتمعاتهم المدنية بنجاح. وتبنى الخبير الاقتصادي جون ماينارد كينز الحجة وصاغ أكثر الكتب مبيعاً انتقاداً شديداً لتسوية فرساي على أنه “سلام قرطاجي”. والأهم من ذلك، استغل أدولف هتلر هذا التفسير “التنقيحي” لتبرير الإطاحة العنيفة بمستوطنة فرساي بأكملها. ولم يكن من الممكن فحص وجهة النظر “التحريفية” بجدية إلا بعد فتح أرشيفات القوى العظمى قبل الحرب في الستينيات والسبعينيات. ولكن على مدى نصف قرن على الأقل، دأبت المدارس والجامعات الدولية على تخطي العقيدة التحريفية. ويقترح البعض أن تصحيح المصالحة الفرنسية – الألمانية قد بُني على “أسطورة الإذلال”، وهو ربما قد يفسر ولع الرئيس ماكرون بها.

وفي الواقع، بدا سلام الحلفاء المفروض على ألمانيا في العام 1919 أقل عقابية بكثير من الشروط المتأرجحة التي فرضتها ألمانيا على فرنسا المهزومة بعد الحرب الفرنسية – البروسية بين 1870 -1871، أو بعد الهزيمة الفرنسية في العام 1940. إذا كان السلام قد فقد، فإن السبب ليس إذلال ألمانيا، ولكن فشل الحلفاء في تنفيذه بصرامة. وتخلصت ألمانيا المعتدلة من العديد من شروط فرساي لأن الحلفاء، ومن بينهم بريطانيا والولايات المتحدة، غضوا الطرف عن عدم امتثالها. لقد قاموا بذلك لأن مصالحهم كانت تكمن في إعادة العلاقات التجارية مع السوق الألماني المهم للغاية. وأظهر المؤرخون الاقتصاديون الآن بشكل مقنع أن المحاسبة الإبداعية والسياسة المالية الحميدة والقروض الأميركية سمحت لألمانيا بعدم دفع أي تعويضات صافية على الإطلاق. حتى أن اتفاقية عسكرية سرية أبرمت مع الاتحاد السوفياتي في العام 1922 لتطوير طائرات ودبابات وأسلحة كيميائية لم يتم اكتشافها خارج ألمانيا في انتهاك كامل لمعاهدة فرساي. لذا فإن ادعاء الرئيس ماكرون المتكرر بأن ألمانيا تعرضت للإذلال يعتبر من دون أساس تاريخي.

إن ما يسعى ماكرون إلى فعله من خلال الادعاء بأنه ينبغي عدم إذلال روسيا في نهاية حربها على أوكرانيا هو ضمان إمكانية اندماج روسيا بسرعة في تسوية تشمل القارة الأوروبية. وهذا ما أوضحه ماكرون في خطابه لعام 2019 أمام السفراء الفرنسيين. كان ذلك هدفاً جيوستراتيجياً فرنسياً منذ التحالف العسكري الفرنسي الروسي في العام 1892/3، والذي كان يهدف بدوره الى تأمين ثقل موازن لألمانيا القوية. وكررت المحاولة عبثاً في سنوات ما بين الحربين. وحاول الجنرال ديغول مرة أخرى في العام 1944 وفي الستينيات، نظراً الى كون بريطانيا قوة في البحار، وليست قوة قارية مثل فرنسا، فلم تر أبداً ميزة مثل هذه الحيلة (باستثناء في العام 1941).

وليس هناك من خطأ جوهري في فكرة مثل هذه التسوية على مستوى القارة، لكن كل ذلك يتوقف على الشروط. ومع ذلك، بينما يدور الحديث عن موضوع الحرب العالمية الأولى، يجب على ماكرون الحذر مما يسعى إليه. ويجب عدم نسيان أنه بعد فرساي، صار التركيز على حملة الدعاية الألمانية التي حملت مسؤولية اندلاع الحرب العالمية الأولى للتحالف الفرنسي – الروسي”.

شارك المقال