“اتفاق معراب 2”: الفدرلة بالممارسة

محمد شمس الدين

يلاحظ منذ فترة أن “التيار الوطني الحر” وخصمه اللدود حزب “القوات اللبنانية” يلتقيان في الاستحقاقات الدستورية. ربما كان الأمر ظاهراً جداً في انتخاب رئيس مجلس النواب، ولكنه يسبق ذلك، وقد يكون من البنود السرية غير المعلنة لاتفاق معراب، بحيث اتفق الحزبان على قانون انتخاب واحد، وهو “الأرثوذكسي” الذي يقضي بأن تنتخب كل طائفة نوابها، وأظهرا للرأي العام تنازلهما عنه عند قبولهما بالقانون المعمول به حالياً، وهو فعلياً قانون أرثوذكسي منقح. وبعد الاستحقاق الانتخابي كان لافتاً اتفاق “التيار” و”القوات” على رفض انتخاب الرئيس نبيه بري لرئاسة مجلس النواب، واليوم يبدو أن الفريقين يتجهان إلى عدم تسمية رئيس حكومة أيضاً، على الرغم من تداول بعض المعلومات عن أن “القوات” يتجه إلى تسمية نواف سلام، إلا أن الكفة تميل الى الالتحاق بركب “الوطني الحر”، والامتناع عن تسمية أحد، وقد يتم تظهير الأمر على أن لا معنى من خوض معركة خاسرة مسبقاً، أما الحقيقة فيبدو أن هناك قطبة مخفية بين الثنائي المسيحي، فماذا يريد هذان الحزبان؟ وما انعكاسات هذا الأمر مستقبلاً على القوى المسيحية ككل؟

“القوات” و”التيار” يفرضان الفديرالية بالممارسة، هذا ما أكده مصدر سياسي مسيحي مستقل لموقع “لبنان الكبير”، وقال: “حلم الفديرالية ما زال يراود أفكار أقطاب المارونية السياسية في لبنان، هم من الأساس رفضوا الطائف، وكانوا يفضلون لو أن امتيازاتهم تبقى، الاستحواذ على السلطة وحرمان بقية المكونات، وهم في الوقت نفسه ضد فكرة الدولة المدنية، لأنهما يعتبران أن العددية المسلمة ستطغى على المواقع المسيحية، وبغض النظر عن أن هذا الأمر غير صحيح فالأمور ستكون نسبية وليست عددية فعلية، إلا أن ما يقوم به الثنائي المسيحي ستكون له ارتدادات مستقبلاً، فهو يدفع باتجاه انتخاب الطوائف لمواقعها، ربما هو يفيد مصلحته اليوم، ولكن ماذا سيحصل عندما يكون الاستحقاق متعلقاً بموقع مسيحي؟ هما يعتكفان ولكن لا يستطيعان تعطيل وصول الشخص الذي اختارته طائفته إلى الموقع، أما اعتكاف نواب الطوائف المسلمة، فيستطيع أن يمنع وصول من يريده الثنائي المسيحي، بل أن القوى المسلمة تستطيع اختيار شخصية غير التي قد يتوافق عليها الثنائي المسيحي، وإيصالها رغماً عنه، بينما هو لا يستطيع فعل ذلك”.

أضاف المصدر: “للأسف نتكلم بهذه اللغة الطائفية ولكن هذا هو البلد، والذين لا يزالون يفرضون علينا العيش في هذا الواقع هم بكركي والقوى السياسية المسيحية، التي تقدّس كرسي رئاسة الجمهورية وبعض المواقع كقائد الجيش وحاكمية مصرف لبنان ورئاسة مجلس القضاء الأعلى وعدة مواقع أخرى، بينما الوطن بحاجة شديدة إلى الخروج من دوامة الطائفية القاتلة. لذلك ما يحصل اليوم خطير جداً، لم يصوّت المسيحيون للموقع الشيعي الأول، ويبدو أنهم يتجهون إلى عدم تسمية رئيس حكومة، أي الموقع السني الأول، وكأنهم يقولون هذه مواقعكم، لا نريد المساهمة فيها، نريد التقوقع، واختيار مواقعنا فقط، وممنوع أن يصبح لبنان دولة مدنية، ولجهة عيشة المواطن وحياته الكريمة لا تهم، طالما أن المواقع اسمها مواقع مارونية. وهنا لا بد من سؤال السادة جبران باسيل وسمير جعجع، كيف ستتمكنان من إيصال مرشحيكما لرئاسة الجمهورية؟ من سيختار قائد الجيش؟ من سيختار حاكم مصرف لبنان؟ من ومن ومن…؟”.

وأشار المصدر الى أن “الثنائي المسيحي نفسه دمر البلد في الحرب الأهلية، وهجّر اللبنانيين، وغالبيتهم من المسيحيين، واليوم هو يهجرهم بسبب الصراع بين الطرفين على النفوذ، وسيخرج المسيحيون خاسرين من جديد في هذه اللعبة. ربما يتمكن حزب الله اليوم من ضبط الإيقاع قليلاً لجهة التيار الوطني الحر، ولكنه لن يتمكن من ذلك إلى ما لا نهاية. أما حزب القوات، فقد ضرب علاقاته مع السنة، وهو يحاول خلق زعامات سنية لا تملك التمثيل الشعبي الكافي، ويستمر في هجوماته على الزعامة السنية الأكبر، وهذا لن يمر من دون رد مستقبلاً، فمن سيدفع الثمن؟”.

ورأى أن “المرشح الأوفر حظاً لرئاسة الجمهورية هو من خارج ثنائي اتفاق معراب، وذلك يعود الى الاعتدال السياسي الذي ينتهجه، وهنا أقصد رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، الذي ربما لم يحصل على أًصوات تفضيلية توازي القوات أو التيار، ولكنه لم يدخل لعبة المزايدة والشعبوية، ولا الخطاب التقوقعي، بل حافظ على علاقة جيدة مع جميع الأطراف، على الرغم من انتمائه الى محور سوريا وإيران سياسياً، إلا أنه مقبول حتى من أشد خصوم المحور، وعندها احتفالات الشمبانيا في معراب، ستتحول إلى التعازي بصواني القهوة المرة بالخسارة المدوية، التي حصدوها بأيديهم”.

يقول العالم الشهير ألبرت أينشتاين: “الجنون هو تكرار فعل الشيء نفسه عدة مرات، وتوقع نتيجة مختلفة”، ويبدو أن لبنان مصاب بساسة مجانين، لم يتعلموا من التاريخ، فهم أنفسهم من تزعموا الحرب الأهلية، وكانت أهدافهم إلغاء المكونات الأخرى، ولا يزالون زعماء اليوم، ويخوضون حروب إلغاء جديدة، ولكن استبدلوا السلاح بالسياسة. والسبب في عدم عودة المتاريس اليوم، هو وجود بعض العقلاء والحكماء، الذين يرفضون أن تتكرر جراح اللبنانيين، ولكن ماذا عندما يغيب هؤلاء؟ أين يمكن أن يصل البلد في ظل الحروب السياسية للثنائي المسيحي؟ وإن لم ينزلق إلى الفتنة، فهل سيكون التعطيل سمة الاستحقاقات؟

شارك المقال