أربعون عاماً على “حزب الله” والحدّان الأدنى والأقصى

الراجح
الراجح

إن دخول الاسلام “الايراني” الى لبنان بصورة علنية منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، من خلال “الحرس الثوري” أضاف عامل نزاع آخر الى الوضع أو المسألة اللبنانية، وأدى الى خلط الأوراق وتأسيس مواقع جديدة. لقد أعطى نجاح “الثورة الايرانية” واقامة الجمهورية الاسلامية من جهة، والهزيمة التي لحقت بالقوى اليسارية والقومية في لبنان على يد اسرائيل عام 1982 والمجيء بالمقاومة الاسلامية لملء الفراغ في الجنوب من جهة أخرى، دفعاً للأصولية الاسلامية في لبنان. فتعاطفت معها أكثرية الشيعة وأقلية سنية. وبدأت تطرح للمرة الأولى في لبنان فلسفة تجعل من الاسلام منهجاً وسلوكاً وحياة سياسية وفكرية يومية، وايران نموذجاً للدولة والنظام الاسلاميين، بديلاً من الوطنية اللبنانية والقومية العربية. وفي الشق الميداني العسكري لهذا الطرح السياسي – الايديولوجي تحول التيار الاسلامي، الشيعي تحديداً، الى مقاوم للاحتلال الاسرائيلي والوجود الغربي على الأرض اللبنانية، ومن ثم ضد السلطة اللبنانية[i] نفسها يساعده في ذلك قدوم “الحرس الثوري” الايراني الى البقاع بتسهيل من سوريا، والاستقطاب الجماهيري من خلال شبكة المؤسسات الاجتماعية والخدماتية التي أخذت بالتراكم وصولاً الى دورة اقتصادية مالية مستقلة…

كان “حزب الله” المستنسخ فكراً وتنظيماً عن “الحرس الثوري” الايراني، والذي ضم 13 تنظيماً وحركة شيعية، قياداته من الجيل الجديد من رجال الشيعة اللبنانيين الذين كانوا في السبعينيات من القرن الماضي تلامذة عضو “حزب الدعوة” آية الله محمد باقر الصدر في النجف، وأهمهم ابراهيم الأمين، وصبحي الطفيلي، وعباس الموسوي، وحسن نصرالله[ii].

وقد أسس “حزب الله” تنظيماً قام على “مجلس شورى” ينتخب الأمين العام للحزب ونائبه والأعضاء التسعة في اللجنة التنفيذية، وفي عام 1989 أصبح هناك مجلس استشاري هو “مجلس شورى القرار” الذي ينسق أعمال لجان الحزب.

نبعت مواقف الحزب تجاه الوضع اللبناني من منطلقات وقناعات اسلامية واعتبار الثورة الايرانية أن “لبنان الشيعي” أرض ايرانية واقليم مميز من أقاليمها – على غرار ايران نفسها – لذا لا داعي للاستغراب حين عرّف الأمين العام لـ”حزب الله” عام 1987 وكان في حينه أحد قياديي الحزب، علاقة الحزب بولاية الفقيه على الشكل التالي:

“ان الفقيه هو الولي أثناء غياب الامام (الثاني عشر) وسلطته أوسع مدى من سلطة أي شخص. علينا أن نطيع (الفقيه) ومن غير المسموح الخلاف معه. إن ولاية الفقيه هي كولاية النبي محمد والامام المعصوم. وكما أن الخضوع لولاية النبي وولاية الامام المعصوم هي إلزامية، كذلك هي ولاية الفقيه – فهو (الفقيه) يستمد حكمته من الله ومن آل البيت، وهو قريب الى الله. وعنما يأمر (الفقيه) فعلى المرء أن يطيع، ومن يفعل عكس ذلك، فهذه معصية ضد الاسلام”[iii].

بناء على فلسفة الحزب الاسلامية – الجهادية أعلن حدّين أدنى وأقصى لطموحاته في لبنان، الحد الأدنى هو إنقاذ لبنان من التبعية للغرب وتحرير أرضه من الاحتلالين الاسرائيلي والغربي معاً، كما تظهر الأنظمة العربية العدو للحزب من السعودية الى مجلس التعاون الخليجي كونهم في نظره متآمرين على ايران، ولم يوفر الأردن والمغرب بتسمية ملكيهما بشاه الأردن وشاه المغرب.

اما الحد الأقصى وهو ما عمل ويعمل عليه الحزب فهو استغلال حالة الاضطراب والفوضى والانهيار التي يعيشها لبنان لإقامة دولته (الدولة الاسلامية).

إن رفض لبنان الكيان الوطني من قبل الحزب وباقي الحركات الأصولية الحليفة له يتطلّب مشروعاً بديلاً، ولا يعقل أن يدعو “حزب الله” الى إسقاط الصيغة اللبنانية متجاوزاً القوانين والدستور من دون أن يكون جاهزاً للبديل، وهذا ما يحملنا على الاعتقاد أن مشروع اقامة الدولة الاسلامية عام 1986 لم يكن مشروعاً خيالياً على الاطلاق.

[i] انطوان خويري – حوادث لبنان الجزء الأول – دار الأبجدية جونية 1976 ص 307

[ii] انطوان خويري – حوادث لبنان الجزء الثامن (لبنان تحت الاحتلال ﺟ 2) ص 584-585

[iii] حول مبادرتي السلام السعوديتين – د. عبدالرؤوف سنو في كتابه المملكة العربية السعودية ولبنان ص 43-53

شارك المقال