مهرجانات بعلبك الدولية تستعيد تألقها بابداع “بعلبكي” إستثنائي

آية المصري
آية المصري

هي مدينة الشمس بعلبك التي غابت عنها مساء أمس، ليغرق القمر والنجوم في جمال قلعتها، المتجذرة في التاريخ والتي تُعد من روائع الآثار الرومانية في العالم. جمال القلعة وعظمتها يضفيان نوعاً من السحر الخاص لا يدركه إلا من يقصدها ويدخل مدرجات معبد “باخوس”.

بعد غياب أكثر من عامين نتيجة إنتشار جائحة كورونا والأوضاع المعيشية الصعبة، إستطاعت بعلبك النهوض من جديد والوقوف لتحيي صمود لبنان وتنشر ثقافة الحب والفن بعيداً عن ثقافة الموت التي يحاولون إلصاقها بها. الفرح بعودة الحياة رافق مهرجانات بعلبك يوم الجمعة في 8 تموز الجاري، عشية العيد، ليصير العيد عيدين.

بعد مرورك من المدخل الرئيسي تطالعك عظمة القلعة، وسط إنتشار واسع للعديد من العربات التابعة لمتاجر ومطاعم عدة تعيدك الى لبنان القديم وتجعلك منخرطاً في أجواء المهرجان.

طاولات منتشرة في كل مكان، حيث بإمكان الزائر الجلوس وجلب مشروبه الخاص وطعامه والتمتع بتفاصيل القلعة. وفي مقابلات سريعة مع بعض أصحاب المتاجر تبيّن أن معظمهم من خارج منطقة بعلبك ويقصدونها في المهرجانات بهدف التسويق لمنتجاتهم من جهة، ولكسب المزيد من المردود المادي من جهة أخرى، اضافة الى أن وجودهم يجعلهم يتعرفون على ثقافة المنطقة و”جوّها”. “قلعة بعلبك تأمرك بحبها” هذه العبارة رددها عدد كبير من زوار المهرجانات.

ومع حلول الظلام بدأت الأضواء تضفي المزيد من السحر على هذه القلعة وأعمدتها، في اشارة الى بدء الحفلة التي استهلت بموسيقى بدأت تعلو تباعاً من أوركسترا ضمت أكثر من 35 موسيقياً بقيادة المايسترو لبنان البعلبكي، وبمشاركة جوقة سيدة اللويزة. ثم بدأت الأمسيّة الغنائية التي أحيتها الفنانة سميّة البعلبكي وقدمت خلالها الأغاني التراثية اللبنانية والطربية، وكانت الأغنية الخاصة لبعلبك من كلمات الشاعر طلال حيدر ابن هذه المنطقة، اضافة الى نوستالجيا الأخوين الرحباني ووديع الصافي والشحرورة صباح وزكي ناصيف ونصري شمس الدين، ليكون مسك الختام مع الطرب الأصيل تحية لكوكب الشرق أم كلثوم وقصيدة “هذه ليلتي” التي نظمها الشاعر اللبناني جورج جرداق من ألحان الموسيقار الكبير الراحل محمد عبد الوهاب.

الملفت في هذه الأمسية كان غياب دور الدولة، بحيث أن التكاليف كافة لم تؤمنها الجهات المعنية، ما جعل احتمال عدم احياء المهرجانات قائماً، لولا مساعدة بعلبك وأهلها في تأمين شركات تدعمها. وفي حديث مع منسق العلاقات بين لجنة المهرجان والاعلام ورئيس “منتدى بعلبك الاعلامي” حكمت شريف، قال لـ “لبنان الكبير”: “في الحقيقة لم تكن هذه المهرجانات لتقام هذا العام نتيجة عدم توافر مؤسسات داعمة وكافية لتمويلها، وكي نستطيع أن نأتي بفرق موسيقية كبيرة. جمعية الدراسات والتدريب عملت على الموضوع ولجنة المهرجانات أيضاً، وهذه الأمسيات الأربع ستنهض ببعلبك وتحييها من جديد”.

وقال محافظ بعلبك – الهرمل بشير خضر: “بعد مرور أكثر من عامين من دون حضور جمهور وبعد رمزية المهرجانات، اليوم نحن سعيداء جداً بهذا الجمهور الكبير وبهذه الطاقة الايجابية التي تنشر على الرغم من كل الظروف الصعبة والتحديات والصعوبات المعيشية والاجتماعية التي نمر بها”.

أضاف خضر: “إستطعنا اعادة إحياء الثقافة وجعلها حاضرة بيننا ونشر الفرح خاصة وأن هذه المهرجانات أساسية ومهمة جداً لأهالي بعلبك لاسيما على المستوى السياحي والاقتصادي. وأقول للسياح والزوار بعلبك آمنة جداً ولا شيء يدعو للخوف والقلق، فلنكتشف مختلف مناطق البلاد ولنبنِ هذه الخبرة الجميلة الجيّدة”.

اما نائب رئيس بلدية بعلبك مصطفى الشل فاعتبر أن “أهالي بعلبك يحبون كثيراً الزوار والسيّاح الذين يقصدونها ويفرحون بهم. هذه المهرجانات بعد جائحة كورونا القسرية ستعيد الحياة الى أهالي المنطقة والى بعلبك والى الشعب اللبناني عموماً، ستعيد الفن الجميل والإبداع، وهذه المدينة دائماً تستضيف أهم وأرقى الفنانين العالميين”، متمنياً “أن يعم الفرح ويستمتع جميع الحضور بالأميسات الأربع”.

وتقدم الحضور في معبد باخوس وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال وليد نصار ممثلاً رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وزراء الاعلام والثقافة والاتصالات في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري ومحمد مرتضى وجوني القرم، الى جانب نواب المنطقة غازي زعيتر، ينال صلح وسامر التوم وعدد من الفنانين والاعلاميين والشخصيات.

“يسلم لنا لبنان جنة أمانينا من غفوة الوديان لصحوة روابينا…”، “إيماني ساطع يا بحر الليل… ايمان الشمس المدى والليل… ما بيتكسر إيماني ولا بيتعب إيماني إنت اللي ما بتنساني…”، “رح حلفك بالغصن يا عصفور… بالورق بالفي بالنبعات…”، بهذه الباقة المختارة من الأغاني إنطلقت مهرجانات بعلبك الدولية، وبهذه الكلمات أراد القيّمون عليها إحياء ثقافة الحب والحياة، التي تعيد الفرح الى مدينة الشمس وتؤكد رفضها ثقافة الموت والإرهاب. هذه هي بعلبك… وهذه مهرجاناتها وثقافتها الجميلة.

شارك المقال