واشنطن والحرب الأوكرانية: “رب ضارة نافعة”

حسناء بو حرفوش

لقد حفزت الحرب الأوكرانية الوحدة في القارة الأوروبية والصحوة الجيوسياسية باتجاه الحكم الذاتي الاستراتيجي، وتقليل الاعتماد على العالم الخارجي. ومع ذلك، لا يرى صانعو السياسة الأميركيون مواجهة روسيا مع أوكرانيا كوسيلة لتحقيق الاستقلال الأوروبي الاستراتيجي، ولكن “كفرصة فريدة لتعزيز الدور الأميركي المهيمن في النظام الأمني ​​الأوروبي الجديد، وكفرصة لاستعادة هيمنة واشنطن المتعثرة”.

وأفضى استمرار أزمة أوكرانيا وفقاً لقراءة في موقع “أوراسيا ريفيو” الالكتروني إلى “تمكين الوجود الأميركي المتزايد في أوروبا، وتعزيز موقف الناتو وزيادة تعزيز اعتماد أوروبا الأمني ​​على الولايات المتحدة. ومع تبني الولايات المتحدة سياسة تصعيد الأزمة، تجد أوروبا نفسها الآن على وشك العودة إلى الحرب الباردة والساخنة، التي سعت إلى تجنبها بناءً على تعاليم الاستقلال الاستراتيجي.

وأظهرت الأزمة الأوكرانية حتى الآن أنه بالإضافة إلى تعزيز دور الناتو والولايات المتحدة في أوروبا، أدى تعميق الخلافات والفجوات الى اتباع استراتيجية الاستقلال الاستراتيجي داخل الاتحاد الأوروبي وزيادة إضعاف مؤيدي الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي. ولطالما واجهت أوروبا الشرقية دولًا تدعم السعي وراء الحكم الذاتي الاستراتيجي بقيادة ألمانيا وفرنسا داخل الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، منذ انضمام دول أوروبا الشرقية إلى الاتحاد في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

ونظرت دول أوروبا الشرقية تاريخياً إلى روسيا على أنها تهديد وجودي لها ولأوروبا، من عصر “إيفان الرهيب” إلى لينين وستالين وبوتين، عدا عن القلق من أن اتباع أوروبا سياسة الحكم الذاتي سيؤدي في نهاية المطاف إلى تقليص وجود الناتو والولايات المتحدة في القارة. وفي أوروبا، يعتقدون أن هؤلاء هم الرادع الوحيد ضد روسيا. وحتى الآن، تركزت الجهود تلقائياً على تقييد متابعة مثل هذه السياسة، بدلاً من محاولة إنشاء آلية دفاع جماعي أوروبية. وعزز تصعيد الأزمة الأوكرانية والتهديد الروسي باستخدام الأسلحة النووية بصورة واضحة موقف المجموعة داخل الاتحاد”.

“رب ضارة نافعة”

بالنسبة الى الولايات المتحدة، لم تأت عواقب الحرب الأوكرانية خطيرة كما في الصدى الأوروبي. يسطر المقال أن “الصراع في أوكرانيا حقق على عكس العديد من العواقب المدمرة لهذه الحرب على أوروبا مكاسب إيجابية كبيرة للولايات المتحدة. فبعد عقود من تراجع النفوذ العسكري الأميركي والأخطاء الكارثية في العراق وليبيا وسوريا وأفغانستان، تعمل واشنطن الآن بسرعة على إصلاح صورتها كزعيم عالمي حر وكشرطي عالمي.

وأصبحت الولايات المتحدة مجدداً الزعيمة بلا منازع لأوروبا وحلف شمال الأطلسي من خلال إشراك أوروبا في أزمة عسكرية وأمنية، وساعدتها حرب أوكرانيا على إصلاح العيوب في ميزانيتها للناتو. كما أجبرت هذه الحرب ألمانيا على زيادة إنفاقها العسكري والتوقف طوعاً عن تطوير خط أنابيب الغاز مع روسيا، ومن الطبيعي أن تزيد أوروبا من الآن فصاعداً اعتمادها على الغاز الأميركي. ويمكن للولايات المتحدة حتى استخدام رافعة الصراع لاستعادة دور تركيا في الناتو أو إقناع الدول المحايدة مثل السويد وفنلندا بالانضمام.

أما الناتو فهو بلا شك الرابح الأكبر بعد الولايات المتحدة، في حرب أوكرانيا. وبعد تلاشي المهمة الرئيسية لهذا الاتفاق العسكري، الذي كان يدافع عن الاتحاد السوفياتي في التسعينيات، يرى التحالف نفسه مرة أخرى كأداة قيمة ضد الاستبداد والإكراه اللذين تمارسهما سياسات القوة الدولية. وبعد أقل من بضعة أشهر على إعلان ماكرون الموت السريري للناتو، تم إحياؤه، حتى بالنسبة الى ماكرون.

وتمكنت الولايات المتحدة من تنشيط الناتو من خلال تمثيل روسيا كتهديد للسلام العالمي، بحيث تقبل الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف طواعية القيادة الأميركية في مواجهة هذا التهديد الجديد وتحسين جيشها. ويأتي هذا التغيير الدراماتيكي بعد عقود من رفض الدول الأوروبية تخصيص حصة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري. ونتيجة لذلك، أصبح الناتو حافزاً لزيادة إنتاج الأسلحة العالمية ومبيعاتها. هذه بلا شك أخبار جيدة جداً للشركات الكبيرة، وتحديداً الأميركية، التي تنتج الأسلحة وتبيعها”.

شارك المقال