“خرافات” حول الاقتصاد الروسي والعقوبات الغربية

حسناء بو حرفوش

سلطت قراءة في موقع مجلة “فورين بوليسي” الضوء على “الفهم غير الكافي للأبعاد الاقتصادية لغزو الرئيس فلاديمير بوتين وما يعنيه ذلك لوضع روسيا الاقتصادي على الصعيدين المحلي والعالمي، من قبل العديد من صنّاع السياسة والمعلقين الغربيين”. ودحضت القراءة ما اعتبرته من “الخرافات” حول “المرونة الاقتصادية المفترضة لروسيا والاحصاءات الإيجابية المضللة والمنتشرة على نطاق واسع”.

النقطة الأولى تتعلق بقدرة روسيا على إعادة توجيه صادراتها من الغاز وبيعها إلى آسيا بدلاً من أوروبا. وفقاً للمقال، “تشكل هذه الحجة واحدة من أكثر النقاط المفضلة في أحاديث بوتين والأكثر تضليلاً، بحيث تضاعف من التركيز على المحور الشرقي الذي تم الترويج له كثيراً. لكن الغاز الطبيعي ليس تصديراً قابلاً للاستبدال بالنسبة الى روسيا، وتعتمد صادراتها من الغاز على نظام من خطوط الأنابيب الثابتة التي تحمل الغاز عبر الأنابيب. وتتدفق الغالبية العظمى من خطوط الأنابيب الروسية نحو أوروبا، مع الإشارة إلى أن خطوط الأنابيب هذه غير قابلة للتوصيل بشبكة منفصلة من خطوط الأنابيب التي تربط شرق سيبيريا بآسيا.

ولا تزال مشاريع خطوط الأنابيب الآسيوية المخطط لها منذ فترة طويلة على بعد سنوات من أن تصبح جاهزة للعمل، كما أن تمويل مشاريع خطوط أنابيب الغاز المكلفة يضع روسيا الآن في وضع غير مؤاتٍ بصورة كبيرة. وتحتاج روسيا عموماً إلى الأسواق العالمية أكثر بكثير مما يحتاج العالم إلى الامدادات الروسية. وفي ظل محدودية اتصال خطوط الأنابيب بآسيا، يبقى المزيد من الغاز الروسي في الأرض. بالتالي، على الرغم من ابتزاز بوتين لأوروبا، يتكبد هذا الأخير تكلفة مالية كبيرة على خزائنه.

وهناك “خرافة” ثانية تتعلق بنفوذ بوتين في آسيا، حيث تعكس صادرات النفط الروسية تراجعاً في النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي لبوتين، خصوصاً وأن الصين والهند تعرفان أن روسيا لا تمتلك الكثير من الخيارات. وتشعر روسيا بالضغط وتراجع وزارة الطاقة توقعاتها بشأن انخفاض إنتاج النفط على المدى الطويل. ليس هناك شك في أن روسيا، كما توقع العديد من خبراء الطاقة، تفقد مكانتها كقوة عظمى في مجال الطاقة، مع تدهور لا رجوع فيه في موقعها الاقتصادي الاستراتيجي كمورد سابق موثوق للسلع.

“الخرافة” الثالثة ترتبط بانهيار الواردات الروسية بنسبة تزيد عن 50 في المائة في الأشهر الأخيرة، مما ينسف أوهام بوتين القتالية حول الاكتفاء الذاتي الكامل. وتراجعت الصادرات الصينية إلى روسيا بأكثر من 50 في المائة من بداية العام حتى نيسان، وانخفضت من أكثر من 8.1 مليارات دولار شهرياً إلى 3.8 مليارات دولار.

“الخرافة” الرابعة تختصر بتضرر بعض القطاعات الأكثر اعتماداً على سلاسل التوريد الدولية بسبب التضخم المنهك بنسبة تتراوح بين 40 و60 في المائة، نتيجة لأحجام مبيعات منخفضة للغاية. وانخفضت على سبيل المثال، مبيعات السيارات الأجنبية في روسيا بمعدل 95 في المائة عبر شركات السيارات الكبرى، مع توقف المبيعات بصورة كاملة. ووسط نقص الامدادات وارتفاع الأسعار وتدهور معنويات المستهلكين، تراجعت قراءات مؤشر مديري المشتريات الروس بصورة غير مستغربة.

أما عن “الخرافة” الخامسة فهي تركز على تقليص عمليات الشركات العالمية داخل روسيا وهروب رؤوس الأموال  بصورة غير مسبوقة ومع ارتفاع نسب الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم. وهذا يعني أن بوتين لا يحقق فائضاً في الميزانية كما كان يدّعي ويدحض “الخرافة” السادسة. فعلاوة على الزيادات الهائلة في الإنفاق العسكري، يلجأ بوتين إلى التدخل المالي والنقدي الدراماتيكي غير المستدام بصورة واضحة، ومن الواضح أن الإنفاق المتهور يزيد من الضغط على موارد الكرملين المالية.

وهذا يقودنا إلى الحجة السابعة والمتعلقة باحتياطيات النقد الأجنبي، المتراكمة من عائدات النفط والغاز لسنوات، بحيث تتناقص احتياطيات بوتين المتبقية من النقد الأجنبي بمعدل ينذر بالخطر، بنحو 75 مليار دولار منذ بداية الحرب. ويشير النقاد إلى أن احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية للبنك المركزي لا يمكن أن تنخفض من الناحية الفنية إلا بسبب العقوبات الدولية المفروضة على البنك المركزي.

أما عن “الخرافة” الثامنة، فهل فعلاً الروبل من أقوى العملات في العالم هذا العام؟ هذا التقدير مصطنع لأن سعر الصرف الرسمي مضلل بحيث يتم تداول الروبل، على نحو غير مفاجئ، بأحجام متناقصة بصورة كبيرة مقارنة بما كان عليه قبل الغزو بسبب انخفاض السيولة.

تاسعاً وأخيراً، تعرض الاقتصاد الروسي لأضرار بالغة، وهذا يعني أن العناوين العريضة التي تجادل حول انتعاشه ليست واقعية ببساطة، بينما الحقيقة هي أن الاقتصاد الروسي يترنح ولا تنقصه المزيد من الضغوط في الوقت الحالي”.

شارك المقال