هل تقوّض إيران بنفسها مشروعها في الشرق الأوسط؟

حسناء بو حرفوش

سلط المحلل مايكل يونغ الضوء على “إضعاف المصالح الإيرانية في العراق، لصالح القوى الإقليمية التي تتعارض مصالحها مع مصالح الجمهورية الإسلامية”، مع التركيز على أن “المواجهة بين الصدر والمالكي نتجت جزئياً عن أهداف إيران في العراق”.

وفي مقال في موقع معهد “كارنيغي”، لفت يونغ إلى أن “المصالح الإيرانية لن تتحقق إذا كان حلفاء طهران العراقيون الأكثر ولاءً خارج حكومة تعتمد على دعم الأكراد والسنة، الذين يشكلون مجتمعات تختلف أجنداتها الإقليمية وربما تعارض أيضاً الطموحات الإيرانية. ويمكن اعتبار لبنان مركزاً لاستراتيجية إيران الإقليمية، بحيث أدرك الإيرانيون أولاً المكاسب التي يمكن تحقيقها في المجتمعات العربية المنقسمة على أسس طائفية. واتبعت طهران الاختلافات في هذا النهج ضمن مجتمعات مختلطة أخرى على غرار العراق واليمن وسوريا. أما في الأراضي الفلسطينية غير المقسمة على أساس طائفي أو عشائري، فخلقت إيران فرصاً مربحة من خلال اللعب على الانقسامات بين الفصائل الفلسطينية. ولكن على الرغم من ذلك، قادت هذه القدرة الإيرانية إلى مفارقة، ففي الدول العربية التي حققت فيها إيران مكاسب، كان لا بد من استغلال الخلاف الداخلي والعنف، وفي مجتمعات السيطرة، ساد الدمار والفقر. ولكن كيف للمعاناة أن تضمن استقرار المشروع الإقليمي لايران؟ يمكن لأجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية وحلفائها المحليين في الدول العربية، بالطبع، اعتماد الترهيب للاحتفاظ بالسلطة، ولكن في مرحلة ما، لا يؤدي ذلك إلا إلى استياء أكبر يهدد برد فعل غير متوقع في نهاية المطاف.

والأمر سيان بالنسبة الى الوجود السوري في لبنان، حيث بدت الهيمنة السورية ثابتة على مدى 29 عاماً، ثم سقطت فجأة في شباط 2005. ومنذ الانسحاب العسكري السوري في ذلك العام، شهد الحلفاء المحليون لسوريا تآكلاً مستمراً في قوتهم، إلى أن سرّعت الانتفاضة السورية هذا الاتجاه. ولا يبدو أن أحداً ينظر بحنين إلى السنوات السورية، بسبب الفساد المستشري وتدمير الإرث الدستوري اللبناني والاستسلام للأولويات السورية.

إيران لا تجيد “القوة الناعمة”، والتي قد تكون فعالة للغاية عندما يتعلق الأمر بتعزيز جاذبية الدول المهيمنة. ومن المثير للدهشة أن إيران، الدولة ذات التاريخ الثقافي الغني، اختارت أيديولوجية صارمة من التشدد المسلح الدائم والثورة الإسلامية. وتؤمن الرسالة الإيرانية عوائد محدودة لأن الدخول في حرب مدمرة مع إسرائيل نيابة عن إيران ليس خياراً تتحمس له كل الجماهير العربية في لبنان مثلاً. كما أن هناك ردود فعل سلبية مماثلة تجاه إيران في العراق، حيث استهدف الرجال الشيعة الذين يحتجون ضد سياسات حكومتهم من الميليشيات الموالية لإيران في عدد من المناسبات.

في هذه الحالة، ما هو الهدف النهائي لإيران في الشرق الأوسط؟ إذا سعت الى إنشاء منطقة نفوذ تسمح لها بتأكيد أهميتها الإقليمية، فهل هذا ممكن في الدول العربية حيث ينظر كثر الى إيران كمصدر رئيس لمشكلاتهم؟ قد يتطلع الإيرانيون الى التوسع وتعزيز سلطتهم، لكن النظام الديني الذي لا يزال يعيش على ذكرى الثورة التي حدثت قبل نصف قرن تقريباً ليس الأفضل لتوجيه هذا الجهد التطلعي، كما أنه لم ينجح في التوسع في الداخل. عدا عن ذلك، يبدو أن معظم شباب المنطقة مهتمون فقط بتحسين ظروفهم المعيشية في ظل التفكك الاجتماعي والاقتصادي الذي يبتلى به العالم العربي.

وفي حال لم تتمكن إيران من تطوير قوتها الناعمة، وتتحرك نحو رؤية تعالج المخاوف الحقيقية لجيل جديد من العرب، ستظل هيمنتها على العديد من المجتمعات العربية ضعيفة وغير مستقرة. لكن ربما يعرف الإيرانيون بالفعل أن التكيف مع رغبات المنطقة من خلال نموذج أكثر انفتاحاً وجاذبية وأقل قتالية قد يهدد النظام في طهران في نهاية المطاف. وفي محاولة الحفاظ على نفسه، قد ينتهي هذا النظام بوضع أسس فشل مشروعه في الشرق الأوسط”.

شارك المقال