المشكلة: عون بعد عون

الدوري
الدوري

أنا دائماً ضد المؤسسة العسكرية. لا أحب الانضباطية ولا المناقبية ولا التراتبية. ضد التضحيات بالدم وأكاليل الغار والنجوم. لم أحب حتى لعبة عسكر حرامية الولادية.

نادرة هي الأسباب التي تدفع الى الاعتقاد بأن العسكريتاريا تتواءم مع الديموقراطية. فائضة هي الدلائل على أن الديكتاتوريات هي الابن الشرعي للعقل العسكري المرصوص.

أقله هذا في مشرقنا غير المشرق وفي مغربنا المعتم، لكثرة التجارب عن القدرة التدميرية للأنظمة العسكرية. “البيان رقم 1” دائماً ايذان ببدء الخراب على وقع المارشات والموسيقى التي تنقر الآذان.

وكنا نظن أن لبنان استثناء في هذا المشرق. لا بل ضحكنا في سرنا ونحن نتابع توالي الانقلابات في محيطنا، فيما التاريخ حبانا بجنرال ما زال العنوان الأبرز للمؤسسات المدنية.

كان فؤاد شهاب استثناء. عسكري نهض بمؤسسات لبنان الحديث.

وأصلاً لبنان عصي على الانقلابات، والمفارقة أن هذا الاستعصاء ليس مرده مناعة تكوينية بل العكس تماماً بسبب الهشاشة التكوينية، التي تتمخض بين حين وآخر عن جنرال في الحكم دون سقف الحكم العسكري.

عشنا الأهازيج مع العماد اميل لحود، وبُشرنا بالمخلص الآتي من المؤسسة العسكرية ليعيد النظام والتراتبية في السلطة، بعدما اعتبر كثيرون أن “الطائف” خلخل حكم الطوائف.

كانت الجارة مستأسدة علينا. ركبت الطرابيش كما شاءت تقريباً، قبل الإنفجار الكبير في 14 شباط 2005، الذي غيّر معادلات ودمّر احتمالات وأدخلنا في تسويات صغرى لركلجة التسوية الكبرى (الطائف).

جاء جنرال التسوية رئيساً. عهد ميشال سليمان كان أشبه بـ”وقت مستقطع” شغله الجميع بحكاية السياسة الدفاعية لنخرج مجدداً باكتشاف لبناني فريد: النأي بالنفس. مرحلة قطعت بأقل الخسائر الممكنة.

ثم حلت المصيبة.

مدعوماً بـ”الدويلة المسلحة” الأقوى من الدولة، بدأ عهد فخامة الرئيس العماد ميشال عون. كان إنقلاباً حقيقياً في السياسة والاقتصاد والاجتماع والقضاء… والقدر.

سنة بعد سنة كنا ننجرف أكثر نحو آتون جهنم. انقلبت حياتنا رأساً على عقب. ودخلنا في مرحلة “العائلة الحاكمة” للجمهورية اللبنانية: الصهر والبنات وآل عون على امتداد الوطن.

الآن نريد مخلصاً من حكم المخلص. تغيّرت الظروف ولا بد من تعديل القناعات. أصبحت موافقاً على حكم العسكر عسانا نخرج من هذه الفوضى العظيمة.

لكن… كيف لنا أن نفرح إذا خلصنا من “عهد عون” ودخلنا في “عهد عون”؟ مسألة شكلية، تشابه بالاسم واختلاف بالمضمون ممكن، لكن ليس سهلاً أبداً هذا التكرار.

شارك المقال