نظام بديل معاد للغرب بقيادة روسيا والصين

حسناء بو حرفوش

تشير العديد من المؤشرات إلى هجمة جيوسياسية غربية تقودها الولايات المتحدة تحت شعار انعدام الأمن الروسي، وآخر الأمثلة على ذلك قبول طلبات فنلندا والسويد للانضمام إلى حلف الناتو، بعدما بقيت الدولتان على الحياد لفترة طويلة جداً. وتستخلص قراءة في موقع “اكسبرس تريبيون” الالكتروني، “دروساً حول الشكل الذي قد تتخذه الأزمة الأوكرانية في المستقبل، من خلال التذكير بغزو كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية والرد الأميركي والغربي عليه في ذلك الحين. وشكلت الولايات المتحدة مع حلفائها الغربيين في العام 1950 تحالفاً دولياً بدعم من مجلس الأمن الدولي. ومع ذلك، كان هذا التحالف عسكرياً ولم يكن دعم الأمم المتحدة له ممكناً إلا لأن الاتحاد السوفياتي قاطع مجلس الأمن التابع لها وبالتالي لم يتمكن من ممارسة حق النقض. وتمكنت قوة التحالف من دفع الكوريين الشماليين إلى الحدود الصينية. وأجبر ذلك ماو تسي تونغ وجيش التحرير الشعبي الصيني على شن هجوم مضاد للتأكد من أن قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة تبتعد عن الحدود الصينية مع كوريا الشمالية والعودة إلى الخط الذي يقسم كوريا الشمالية والجنوبية.

أما حالياً، فيرتبط القلق الحقيقي للعالم، حسب محلل باكستاني برد الصين على الصراع الأوكراني. ويطرح السؤال: ماذا لو تسببت الولايات المتحدة بحدوث اضطراب جيوسياسي مشابه لما حصل في شبه الجزيرة الكورية، وجر الصين إلى حرب أوراسية؟ هل العالم مستعد للتعامل مع العواقب؟ يشير التاريخ إلى أن الاضطراب الجيوسياسي في شبه الجزيرة الكورية لم يساعد الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها الاستراتيجية بخلاف طرد الكوريين الشماليين من كوريا الجنوبية. ولم يتم توحيد شبه الجزيرة الكورية كما لا تزال الصين دولة شيوعية ولا تزال كوريا الجنوبية مهددة، وتستمر الولايات المتحدة في الحفاظ على وجود عسكري ضخم هناك.

وتظهر كل من روسيا والصين علامات مقاومة ليس ضد القوة الأميركية وحسب، ولكن ضد النظام العالمي الحالي، ويترجم ذلك بالحديث المتزايد عن نظام بديل مناهض للغرب بقيادة روسيا والصين. وستزداد الدعوة الى إنشاء مثل هذا النظام حيث تقف كل من روسيا والصين معاً في معارضة الولايات المتحدة كقوة مهيمنة وجيوسياسية، مع اتباع الأميركيين سياسة محورية في آسيا وتحول التنافس على السلطة أيضاً إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

ومن الناحية الجيوسياسية، لعبت أربعة أحداث في العقود القليلة الماضية من القرن العشرين دوراً في كيفية تشكيل سياسات العالم في القرن الحادي والعشرين. الحدث الأول في الفترة الممتدة من 1989 إلى 1991 والتي تبنى فيها الزعيم الصيني دينغ شياو بينغ التحرير الاقتصادي وأعاد العلاقات مع الولايات المتحدة. أما الحدث الثاني، فتمثل في وصول الإسلام السياسي عبر العراق والثورة الإيرانية. والحدث الثالث تمثل في الجهود الأميركية ضد الغزو السوفياتي لأفغانستان. فيما الحدث الرابع هو تجديد الشراكة الأنغلو – أميركية التي وضعت مارغريت تاتشر ورونالد ريغان حجر الأساس لها. وخلقت هذه الشراكة أسواقاً حرة كوسيلة للنمو في عالم سريع العولمة. ومن شأن عدم إدراج أحداث الحادي عشر من أيلول كحدث جيوسياسي آخر أن يشكل سياسات العالم في القرن الحادي والعشرين.

وشكلت أواخر الثمانينيات الفترة التي سطر فيها الباحث الأميركي فرانسيس فوكوياما التاريخ كعملية تطورية، فبدا أنه يخبر العالم بوضوح أن جميع الأيديولوجيات الأخرى تنافست وفشلت في هزيمة أيديولوجية الديموقراطية الليبرالية. لكن توقع فوكوياما كان خاطئاً لأن الحضارات الثلاث الكبرى لروسيا والصين وإيران ذكّرت العالم بأن الصراع الأيديولوجي لم ينته بعد. ولا تزال إيران تؤثر في سياسات الشرق الأوسط بالنسبة الى العالم الغربي، وقد حققت الصين نمواً سنوياً في السنوات التالية بصورة تناقض نظرية فوكوياما في نهاية التاريخ. وتتحدى روسيا بدورها النظام الدولي الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة ويتضمن قواعد أساسية مختلفة لدول مختلفة. لذا، في حال طمحت فكرة النظام العالمي للأممية الليبرالية الى دمج العالم، تجدر الإشارة إلى أنها زرعت بنفسها بذور تفككه مع تشجيع الإسلاموية باعتبارها الأيديولوجية الجديدة. أما ما تحتاج الولايات المتحدة والعالم الغربي الى إدراكه فهو أن الحضارات الثلاث العظيمة لا تشارك بالضرورة القيم الغربية أو المؤسسات الدولية التي تروج لهذه القيم”.

شارك المقال