وحدة المسار والمصير… من الشام الى الصين

حسين زياد منصور

يعتبر المضيق الفاصل بين الصين وجزيرة تايوان من أكثر المناطق توتراً في العالم حالياً. هذا المضيق الذي لا يتعدى عرضه في أضيق نقاطه ١٣٠ كيلومتراً، كان سيشهد حرباً إقليمية وربما عالمية إثر زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الى الجزيرة على الرغم من التحذيرات والانذارات الصينية المتكررة.

الشرق الأقصى

بعد استسلام اليابان عند انتهاء الحرب العالمية الثانية، واستعادة جمهورية الصين السيطرة على أراضيها كونها أحد المنتصرين في الحرب حكمت تايوان بموافقة حلفائها، لكن بعد اندلاع الحرب الأهلية الصينية وهزيمة قوات تشيانغ كاي شيك أمام القوات الشيوعية بزعامة ماو تسي تونغ وقيام جمهورية الصين الشعبية، هرب تشيانغ إلى جزيرة تايوان في العام ١٩٤٩ وجعلها مقراً لحكومته، وأعلن الفريقان تمثيلهما للصين كلها. على الرغم من ذلك شغلت حكومة تايوان مقعد الصين في مجلس الأمن واعترف بها العديد من الدول الغربية باعتبارها الحكومة الصينية الوحيدة، اما في العام ١٩٧١ فحوّلت الأمم المتحدة الاعتراف الديبلوماسي إلى بكين وأجبرت “حكومة جمهورية الصين” على الانسحاب.

ومنذ ذلك الوقت أصبح عدد الدول التي تعترف بجمهورية الصين ما يقارب الـ ١٥ بسبب الغموض والانقسام الذي يخيم على الملف الصيني، مع العلم أن الجزيرة تتمتع بمعظم خصائص الدولة المستقلة.

فتايوان تعرّف نفسها بجمهورية الصين، اما جمهورية الصين الشعبية فتعتبرها جزءاً من أراضيها وتسميها تايوان الصينية، وتؤكد الصين على وحدتها وتعتبر حكومتها السلطة والممثل الوحيد والشرعي لجميع الصينيين وجميع الأراضي ومن ضمنها أراضي تايوان وترفض أي اعتراف بها كدولة مستقلة.

الشرق الأوسط 

بعد سقوط الدولة العثمانية وتقاسم دول الحلفاء تركتها وظهور مفهوم الانتداب وتقسيم الدول ثم الاستقلال بعضها عن الانتداب البريطاني والبعض الآخر عن فرنسا كسوريا ولبنان، تشكل لكل منهما دولتان منفصلتان. لكن سوريا كانت دائماً تبدي اهتماماً بلبنان وتعتبره جزءاً منها.

والتدخل السوري في الشؤون اللبنانية تعزز مع قيام دولة إسرائيل والأزمات السياسية التي عانى منها لبنان قبل الحرب الأهلية وخلالها وبعدها، وكان وصول أي شخصية لبنانية الى الحكم يحتاج الى الرضى السوري. وشرّعت سوريا وجود قواتها خلال الحرب الأهلية والاجتياح الاسرائيلي للبنان، والمؤتمرات التي عقدت في تلك الفترة. وبقيت الوصاية السورية على لبنان ما يقارب ٣٠ سنة وخرجت في العام ٢٠٠٦ إثر ثورة الأرز.

وحدة المسار والمصير

تواصل حكومة جمهورية الصين الشعبية التأكيد على وحدويتها وشرعيتها في تمثيل وحكم جميع أراضيها وأن تايوان جزء لا يتجزأ منها مستندة الى القرار ٢٧٥٨ الصادر في العام ١٩٧١ من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن جمهورية الصين الشعبية منذ تأسيسها في العام ١٩٤٩ والتي أقامت علاقات ديبلوماسية مع أكثر من ١٥٠دولة هي الممثل الشرعي للصين وأن تايوان تخفي الطابع والهوية الصينيين.

وصحيح أن لتايوان دستورها الخاص، وقادتها المنتخبين، وحوالي ٣٠٠ ألف جندي في قواتها المسلحة، الا أن عدداً قليلاً من الدول يعترف بها في ظل وضعها القانوني غير الواضح والمحسوم.

اما بالنسبة الى سوريا ولبنان “الشقيقان”، فالتواجد العسكري السوري على الأراضي اللبنانية انطلاقاً من العام ١٩٧٦ كان لحفظ الأمن ولجم المقاومة الفلسطينية وردع القوات الاسرائيلية خلال الحرب الأهلية اللبنانية.

وتحول هذا التدخل الى وصاية استمرت ٣٠ عاماً، وخلال هذه الفترة حلت سوريا محل الدولة اللبنانية وغيّبتها وتحكمت بالقوانين الانتخابية لضمان حصولها على الأكثرية النيابية لتأليف حكومة موالية لها تشرّع وجودها في بياناتها الوزارية فضلاً عن رئيس جمهورية يدعم بقاء قواتها في لبنان.

“ما بين لبنان وسوريا لم نصنعه نحن، إن في لبنان وسوريا شعباً واحداً لكن في دولتين” هذا بعض ما قاله الرئيس السوري حافظ الأسد في الماضي، وانطلاقاً من ذلك حاول أن يجعل الدولتين دولة واحدة.

كانت الخزينة اللبنانية بالنسبة الى النظام في سوريا منجماً للذهب، وهذا الوجود أثر على استقلالية القرار اللبناني وحريته ولم تكن العلاقة بينهما قائمة على الاحترام المتبادل بل كان لبنان كدولة تابعة. وعلى الرغم من نص اتفاق الطائف على الانسحاب السوري إلى البقاع في غضون عامين، الا أن السوريين لم يلتزموا بذلك، فضلاً عن معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق الذي لم يستطع لبنان رفضها في ظل الوصاية التي كانت تميل لمصلحة دمشق سياسياً واقتصادياً وأمنياً.

في ظل ممارسات النظام الأمني السوري في لبنان خلال تلك الفترة، شهد السوريون معارضة لتواجدهم على الأراضي اللبنانية من بعض القوى السنية واليسارية والمارونية والدرزية والشيعية، التي أكدت أن الوجود العسكري لا يحمي المصلحة اللبنانية.

وبعد الانسحاب الاسرائيلي عام ٢٠٠٠ ووفاة حافظ الأسد تجددت المعارضة اللبنانية للوجود السوري، ثم جاءت عمليات الاغتيال لرموز وطنية وصحافية حتى كانت الطامة الكبرى في ١٤ شباط ٢٠٠٥ باغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي تميز بعلاقاته الدولية ما أزعج دمشق آنذاك. ونتيجة الانتفاضة الشعبية التي عرفت بثورة الأرز، خرج الاحتلال السوري من لبنان. وفي العام ٢٠٠٨ تبادل البلدان السفراء كخطوة لتأكيد استقلالية القرار اللبناني.

انطلاقاً من هذه الأحداث فان الوضع اللبناني – السوري لا يشبه القضية الصينية – التايوانية، اذ أن لبنان دولة شرعية قائمة بنفسها وتتمتع باستقلالها ولها كيانها الخاص ومعترف بها دولياً، اما تايوان فأمرها معقد ومبهم وغير واضح.

شارك المقال