استقلالية القضاء وهم… والعدالة معصوبة العينين

محمد شمس الدين

إستقلالية القضاء، العنوان الأبرز لدى القوى السياسية ضد أي ملف قضائي في البلد، وكل فريق سياسي يحاضر بهذا العنوان عندما يتخذ قاض ما قراراً يكون ضد مصالحه وأجنداته السياسية، فيهاجم القاضي ويطالب باستقلالية القضاء، وبالعكس، الفريق نفسه يعلن وقوفه خلف قاض ما، عندما يهاجم من فريق آخر، ويبدأ ببروباغندا القضاء المستقل، ويهاجم التدخل في القضاء، ولذلك لا بد من السؤال: هل القضاء في لبنان مستقل فعلاً؟ ومن يحدد القاضي المسيّس من غير المسيّس؟ وهل هناك أمل في أن تكون السلطة القضائية مستقلة فعلاً عن السلطة السياسية؟

مرجع قضائي متقاعد أكد في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن استقلال القضاء في لبنان هو إما وهم أو خدعة يستعملها السياسيون والإعلاميون وبعض القضاة أنفسهم، معتبراً أن “لا شيء في الواقع يدل على استقلالية القضاء في لبنان، حتى في النصوص، فعلى الرغم من أن الدستور اللبناني نص في المادة 20 منه، على استقلالية القضاء، وعلى الرغم من أن قانون التنظيم القضائي نص على أن القضاء سلطة مستقلة، إلا أن النصوص تناقض نفسها، لأن هناك مراكز قضائية أساسية، تعيّن بمرسوم يصدر عن السلطة السياسية، والتشكيلات القضائية لا تنفذ في لبنان، إلا بموافقة السلطة السياسية حتى لو أجمع عليها مجلس القضاء”.

وأشار المصدر الى أن “مجلس القضاء الأعلى اجتمع منذ سنتين، وأقر تشكيلات قضائية، وعندما وصلت إلى رئيس الجمهورية تم تعطيلها. ومنذ فترة، توقفت التشكيلات القضائية لمحكمة التمييز العامة عند وزير المالية، بداع أنها لم تكن منصفة لبعض الطوائف، فأوقفتها القوى السياسية، وهذا يعني أن القضاء هو تحت رحمة السياسة، والقانون نفسه الذي يقول إن السلطة القضائية مستقلة، يعود ويناقض نفسه ليقول إن جميع القضاة يعيّنون من السلطة السياسية، وتحديداً في المراكز القضائية الحساسة، مما يدفع أي قاض يطمح لمركز ما، إلى مسايرة السلطة السياسية، فيصبح هناك اصطفاف قضائي سياسي، ويصبح هناك قاض محسوب على هذا الخط السياسي، وقاض محسوب على خط آخر”.

وأوضح المصدر أنه “عندما تعين القاضيان فادي صوان وطارق البيطار، اعتبرا تابعين لخط سياسي، ومؤخراً عندما أصدر القاضي فادي عقيقي قراراً لم يعجب البعض، اعتبروه تابعاً لخط سياسي معين، وكذلك القاضية غادة عون عندما عملت بملفاتها اعتبرت تابعة لتيار سياسي معين، وذلك لأن العمل القضائي في لبنان مرتهن ومرهون للتوجهات السياسية، ولا يمكن لقاض أن يعمل من تلقاء نفسه في البلد، بل هو بحاجة الى حماية نفسه من أي ملاحقة، وذلك يكون عبر الغطاء السياسي”.

وشدد على أنه “لولا وجود الغطاء السياسي، لكان القضاة غادة عون، طارق البيطار وفادي عقيقي، أقيلوا من مناصبهم منذ زمن، وللأسف هذا أمر مسلم به في لبنان، وبالتالي كل القرارات القضائية تصدر بتنسيق سياسي قضائي، هذا واضح وعرف قضائي موجود في لبنان، وكل الملفات القضائية التي ضج بها الرأي العام، تدل على أن القضاء لا يعمل بصورة مستقلة عن السياسة، بل أنه لا يمكن أن يعمل مستقلاً في ظل القانون الحالي، الذي لا يسمح للسطة القضائية بتعيين أي قاض في أي مكان، من دون رضى السلطة السياسية، حتى المحقق العدلي نفسه، لا يعين من مجلس القضاء الأعلى، بل أن من يعينه، هو وزير العدل، الذي يعتبر سلطة سياسية”.

أضاف: “نحن بحاجة إلى تعديلات جذرية إن كان في الممارسة، أو حتى في النصوص القانونية، ولكن الأمر ليس سهلاً، ففي مجلس النواب اليوم، هناك أكثر من 7 صيغ لقانون استقلال القضاء، أحدها طرح منذ أكثر من 22 سنة من اللقاء الوطني (الرئيس سليم الحص، الرئيس حسين الحسيني، عصام نعمان، وغيرهم)، ولا أحد يعرف أي مشروع قانون منهم يريد، فكل فريق قدم مشروع استقلالية القضاء على قياسه، يناسب أجنداته، حتى أن القانون الذي قدمه مجلس القضاء الأعلى مع نادي القضاة ونقابة المحامين، هو قانون خطير جداً، اذ يدفع القضاء إلى جهنم، ويجعله تجمعات ونقابات وانتخابات، وعندها كل قاض سيهمل عمله من أجل أن يسوق لنفسه انتخابياً بين القضاة، لمحاولة إقناعهم بمشروعه كي يصوّتوا له، وهذا المشروع يعاني من ثغرات وتجاذبات انتخابية كثيرة وهو لن يرى النور أبداً”.

وختم المصدر: “كل الذين يتحدثون عن قرب إقرار قانون استقلال السلطة القضائية، هم إما واهمون، أو كاذبون، لأن مشاريع القوانين المطروحة حالياً، كلها غير قابلة للتطبيق، وقد أقدم وزير العدل الحالي هنري خوري على إنشاء لجنة من مجموعة من القضاة، وطلب منها مشروع قانون لاستقلالية القضاء يكون مقبولاً، وهذه اللجنة تجتمع منذ أشهر وأشهر، وفي لبنان إذا أردت قتل مشروع معين، ترسله إلى اللجان، فاللجان مقبرة القوانين والمشاريع، وفي ظل الوضع الراهن، سيبقى كل مركز قضائي في لبنان، تابعاً لجهة سياسية وطائفية معينة، وسيبقى القضاء مرتهناً للسلطة السياسية، ولذلك لا قضاء مستقلاً في لبنان في المدى المنظور”.

هذا القاضي نزيه، ذاك القاضي مرتهن، عبارات لا تسمعها ربما إلا في لبنان، وترددها القوى السياسية والأحزاب، حسب أي ملف وأي قاض، بينما جميعها تحاضر باستقلالية القضاء، ولكن الحقيقة الموجعة، أنه لا وجود لقضاء مستقل في لبنان، ولذلك الملفات الحساسة، والتي تخضع لحسابات سياسية، تبقى نائمة في أدراج القضاء عبر الضغط السياسي، وإلى حين استقلال القضاء حقاً، العدالة في لبنان لن تتحقق لأحد، لا لشهداء انفجار المرفأ، ولا لشهداء الاغتيالات السياسية والأمنية، ولا لشهداء انفجار عكار، ولا الموقوفين الإسلاميين، ولا أحد، فالعدالة في لبنان ليست عمياء، بل هي معصوبة العينين.

شارك المقال