رسالة من لبنانية إلى العالم

حسناء بو حرفوش

لا تتوخى هذه الرسالة دفع أي كان للنظر بعين الشفقة إلى لبنان ولا التصدق عليه بالفتات. هي رسالة حب وأمل من بلد لم تندمل جراحه منذ سنين ويستمر فيه النزف في شرايين المواليد الجدد.

لعلكم سمعتم بعض الأنباء السيئة عن بلدي الحبيب. لبنان فقد منذ فترة عينه اليمنى حين زلزل وجهه الحضاري بانفجار مرفأ بيروت… لعلكم خبرتم أن منازل اللبنانيين ضاقت بهم وأن جدرانها اتسعت للصور المكسورة وللذكريات المغطاة بالشرائط السود… لعلكم رأيتمونا ونحن نقف في طوابير بحثاً عن مالنا وعن قوتنا وعن صبرنا، ولعلكم قرأتم عن أسوأ أزمة عرفتها البشرية في أرض تفتح ذراعيها لمقيمين متعبين ولاجئين مثقلين بالهموم ونازحين خائفين.

أصدقاؤنا في كل بقاع الأرض…

لبنان اختبر من المحن أصعبها وحمل بيده حقائب مستقبله عبر المطار نحو المعمورة. سيمر بأيام سوداوية بعد وسيشهد على سماء تذوي فيها الكثير من نجومه. سيتردد صدى عبارة “لبنان ما عاد يشبهنا” وسيزداد الألم مع قدوم الشتاء. لبنان يتألم حقاً لكن بلد الرسالة لن يتخلى عن دوره بسهولة.

إن لم تتسع الأرض للأحبة ستتسع القلوب كما عهدتم وسيبقى اللبنانيون يناضلون حاملين وطنهم في القلب أينما حلوا. هذه رسالة من كل لبناني في كل بقعة من بقاع الأرض، من الحر والبرد والسلام والحرب والألم والأمل والشجاعة والتردد والخوف والشجاعة تكتب.

لبنان موجود في قلب كل شخص سمع صداه في لحن أو أغنية أو رآه في رقصة فولكلورية بين أعمدة التاريخ أو في صورة تعلق الأذهان بزمن عريق أو بفيلم بجودة إبداع أبنائه. لبنان موجود في قلب كل زائر مهما ابتعدت المسافات، وفي ذهن كل عابر توقف عند إشارة سير فسمع العشرات يسلمون عليه بـ”أهلا وسهلا” و”صباح الخير”.

يعلم كل صديق للبنان أن هذا الوطن لم يكن يوماً ملكاً لأحد، وأنه لطالما تألم لأنه حاول أن يقف سداً منيعاً في وجه رياح التغيير الآثمة التي تريد أن تجرّده من ألوانه وأحلامه. ويوقن الجميع أن من يراهن على زرع الأيديولوجيات المتطرفة لن يفلح كثيراً خصوصاً حين يجتمع اللبناني واللبناني الآخر حول طاولة واحدة تتلاشى عليها المصالح والحسابات الضيقة لتبقى الرغبة بالحياة والفرح والسلام.

إلى كل صديق للبنان، تحية محبة وتقدير وإجلال للإيمان بوطن يعبر أبناؤه اليوم بين البر والسماء والبحر محمّلين بأجزاء لقواعد ستعيد بناء هذه الأرض بسواعد الجميع. إننا اليوم لفي محنة وكل الشقاء الذي نشعر به لا يمنعنا من أن نبقى كما عهدنا الكون. سنبتسم أنى حللنا وسنحافظ على صدقنا وسنتغلب على الفساد الذي طعننا في ظهرنا، ليس لشيء سوى لنحفظ قيمتنا وكي لا نخيّب أمل كبار صنّاع التاريخ الذين آمنوا بنا.

لن ننسى أننا والآخر جزء من كل ولن ننسى أن عداواتنا تتوقف عند سقف الوحدة في وجه العدو الأوحد. سنتمسك بهويتنا التي صنعت وجودنا وبروح الحياة التي لطالما حملناها. مهما كثر الظلم، يبقى لنا إرث كبير من الكرامة والإيمان، ومن أقوى ممن يناجي الخالق بأكثر من 18 طريقة؟

قطعة السماء هذه لن تسقط في الهاوية مهما اشتد الظلام، لأن الإرث الأكبر لا يكمن في المفاصل التي تغلغل فيها الفساد وإنما في البشر الذين لا يكلون من التعلم والوقوف بعد كل سقطة. سينجلي كل ذلك الظلام… لطالما غطى هذه الأرض، ولطالما فعل! وفي مكان ما، في المياه التي قد تبدو ضحلة في هذه الأيام، حياة كبيرة ستطفو لا محالة إلى السطح… سطح لبناني عربي متعدد الطوائف وباسط ذراعيه للجميع!

شارك المقال