تكافؤ زائف بين الظالم والمظلوم في التغطية الإعلامية لأحداث غزة

حسناء بو حرفوش

أظهرت التغطية الإعلامية للعنف المتزايد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تحريفاً للأحداث لصالح إسرائيل من خلال تحويل هجومها إلى دفاع عن النفس وتسطير تكافؤ خاطئ بين المحتلّ وأصحاب الأرض المحتلة وطمس المعلومات التي تبيّن حجم الوحشية الإسرائيلية، بحسب ما حذّر تقرير للباحث الكندي وأستاذ الإعلام بجامعة “جيلف هامبر” في تورونتو، غريغوري شوباك. وفي ما يأتي ترجمة لأهم ما ورد في التقرير الذي نشر على موقع “فير” (Fair) الإلكتروني، المتخصص بقضايا الدقة وعدم التحيز في وسائل الإعلام.

“لقد صوّرت وسائل الإعلام موجة القتل الإسرائيلية على أنها ردة فعل دفاعية على عدوان فلسطيني مفترض. فأتت بعض العناوين على الشكل الآتي: “هجمات حماس الصاروخية تثير انتقاماً إسرائيلياً في غزة” (فاينانشيال تايمز، 10/5/21) و”حماس تطلق صواريخ بعيدة المدى على القدس الإثنين وتدفع إسرائيل للرد بضربات جوية” (نيويورك تايمز، 12/5/21)، و”حماس تطلق صواريخ على أهداف مدنية إسرائيلية والجيش الإسرائيلي يرد بغارات جوية لاستئصالها والجهاد الإسلامي في غزة” (نيوزويك، 12/5/21) (…) وتعزز هذه العناوين الانطباع بأن إسرائيل كانت تهتم بشؤونها الخاصة وبأن حماس هاجمتها بدون أي سبب.

(…) ما أنفت إسرائيل، وسابقاتها في الحركة الصهيونية، يشنون حربًا ضد الفلسطينيين منذ أكثر من 100 عام. لذلك، لا تفلح حجة دفاع الإسرائيليين عن النفس ضد الفلسطينيين، منطقيًا (…) وبصفتها قوة محتلة، ليس لإسرائيل أي حق قانوني بادعاء الدفاع عن النفس ضد الشعب الذي تحتله (موقع” تروث أوت”، 14/5/21). كما أن إسرائيل تفرض على غزة حصارًا عسكريًا منذ نحو 12 إلى 14 عامًا، (…) وهو ما جعل القطاع منطقة غير صالحة للعيش فعليًا (…) والحصار هو عمل حرب، فكيف للطرف الذي ينفذه ادعاء التصرف بشكل دفاعي.

كما سعت بعض وسائل الإعلام لتضخيم وجهة النظر القائلة بأن العنف قتال متكافئ تقريبًا “من الجانبين” (…) مع استخدام مفردات كـ “الصدام” لتجنب الاعتراف بأن العنف يمارس بشكل ساحق من جانب على الجانب الآخر. على سبيل المثال، لا يعطي العنوان التالي: “الشرطة الإسرائيلية والفلسطينيون يتصادمون في الأقصى بالقدس.. وسقوط عشرات الجرحى” ((8/5/21)، أي دليل على أن الفلسطينيين تعرضوا لـ 97٪ من الإصابات. وهناك عيب فادح في الروايات التي تساوي بين “كلا الجانبين”، فالجانب الإسرائيلي هو الذي مارس الفصل العنصري والتطهير العرقي وحوّل ملايين الفلسطينيين إلى لاجئين.

كما أظهرت “نيويورك تايمز” (12/5/21) تناسقاً زائفاً بين الظالم والمظلوم، حيث كتب رئيس مكتب القدس باتريك كينغسلي: ” تصاعدت التوترات العرقية في القدس على مدى أسابيع (…) في نيسان، سار يهود اليمين المتطرف في وسط المدينة وهم يهتفون “الموت للعرب”، وهاجمت حشود من اليهود والعرب بعضها البعض. لكن في المقابل، تكشف الأدلة التي جمعتها منظمة العفو الدولية (10/5/2021)عن نمط مروّع لاستخدام العناصر الإسرائيلية للقوة التعسفية والمفرطة ضد المتظاهرين الفلسطينيين المسالمين والمصلين، إلى حد كبير في الأيام الأخيرة. وهو ما تبرهنه شهادات شهود العيان ومقاطع الفيديو والصور التي التقطها باحثو منظمة العفو الدولية على الأرض في القدس الشرقية.

وقدمت صحيفة “وول ستريت جورنال” (12/5/21) عناصر الشرطة الإسرائيلية كحفظة سلام محايدين (…)، ونشرت: “تواجه إسرائيل صراعًا داخليًا أيضًا، حيث اشتبك السكان العرب المؤيدون للفلسطينيين مع جيرانهم اليهود في البلدات المختلطة، ما دفع الحكومة إلى استدعاء قوات شرطة الحدود لقمع أعمال الشغب”. بينما الحقيقة هي أن الشرطة الإسرائيلية هاجمت المتظاهرين الفلسطينيين بعنف في جميع المناطق. وحُرم المعتقلون الفلسطينيون من حقوقهم القانونية ومن الحصول على العلاج الطبي اللازم.

استبعاد حقائق مهمة

واستبعدت تغطية غزة خلال الأيام الأربعة الأولى (…) في قواعد البيانات الخاصة بالصحف الأمريكية الخمس الأكثر انتشارًا، “وول ستريت جورنال” و”نيويورك تايمز” و”يو أس أي توداي” و”واشنطن بوست” و”لوس انجليس تايمز”، الجوانب الحاسمة لما يحدث في غزة إلى حد كبير. على سبيل المثال، أغلقت إسرائيل معبر كرم أبو سالم في 10 أيار ومنعت دخول المساعدات الإنسانية والوقود إلى محطة توليد الكهرباء في غزة. وقد يتسبب إغلاق هذا المعبر التجاري الرئيسي بتدمير اقتصاد غزة بشكل أكبر. ونشرت الصحف الخمس مجتمعة في الفترة الممتدة من 10 إلى 13 أيار، 114 مقالاً عن غزة، بينما لم يذكر إلا مقالان اثنان موضوع تشديد الحصار دون الخوض في عواقبه.

ولم يذكر إلا تقرير واحد في “واشنطن بوست” (13/5/21) أن الحكومة الإسرائيلية منعت دخول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك لقاحات كورونا، إلى الأراضي المحتلة (…) كما حظرت إسرائيل وصول الصيادين في غزة إلى البحر. ونشرت الصحف الخمس مجتمعة 88 مقالاً ذكرت غزة بين 12 و 13 أيار. ولم يذكر إلا مقال واحد في صحيفة “نيويورك تايمز”(10/5/21) منع الصيادين من الوصول إلى البحر، دون أن يشير أي من المقالات إلى انعدام الأمن الغذائي واسع النطاق في الأراضي التي تحرقها إسرائيل.

وبالتالي، لا تشكل الهتافات المتحمسة للهجمات ضد الفلسطينيين من قبل بريت ستيفنز في “نيويورك تايمز” (13/5/21) على سبيل المثال، الشكل الوحيد من أشكال الإساءة الإعلامية ضد الفلسطينيين، بل إنها تقلب الأدوار بين المعتدي والمعتدى عليه أو تحاول تسطيح الفروق بينهما، من خلال طمس المعلومات التي تبيّن نطاق الإجرام الإسرائيلي. وينتج عن ذلك إرباك لدى الجمهور، ما بين من يقاتل من أجل التحرير ومن يقاتل من أجل القضاء عليه”.

كلمات البحث
شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً