تذكّروا بري: وليد لا يضيّع البوصلة

صلاح تقي الدين

لا ينفك رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط عن استقطاب اهتمام الرأي العام والصحافة والسياسيين على السواء في كل مرة يدلي بموقف أو ينشر تغريدة، إذ تنشغل هذه الأوساط بإطلاق التفسيرات المؤيدة أو المناهضة واتهامه بالتقلّب من دون أن تتمعن في حقيقة موقفه المستجد، غير أن أفضل وصف هو الذي أطلقه رئيس مجلس النواب نبيه بري حين سئل يوماً عن “تقلبات” جنبلاط، فأجاب: “وليد لا يضيّع البوصلة”.

وآخر مواقف جنبلاط جاءت خلال مقابلة أجرتها معه قناة المملكة الأردنية التلفزيوينة حين وجّه رسائل متعددة إلى مختلف الفرقاء اللبنانيين، لكن الرسالة الأبلغ كانت تلك المتعلقة بطلبه لقاء مسؤولين في “حزب الله” للحوار معهم حول القضايا التي تتعلّق بما يمكن وصفه “الأمن الاجتماعي والمعيشي” للبنانيين الذين يعانون الأمرين نتيجة “النجاح الباهر” للعهد القوي في إدارة الدولة منذ ست سنوات.

مقابلة جنبلاط كانت الاثنين الماضي، ولغاية اليوم أي بعد مرور 72 ساعة، لا تجد إلا مقالات صحفية بعضها يرتكز على التحليلات والبعض الآخر على ما يزعم أنها معلومات حول موقف جنبلاط الذي يعتبره مستجداً، لكن في الحقيقة، لم يتغيّر موقف رئيس “الاشتراكي” ولم يحد عن الثوابت التي أقرّ بها واعتنقها منذ أكثر من 42 عاماً مضت عليه في عالم السياسة.

أولاً: في الحوار. لم يفوّت جنبلاط أي مناسبة للدعوة إلى الحوار بين الفرقاء السياسيين، وهو الذي اختبر المعارك والحروب والمواجهات التي حتى المنتصر فيها كان خاسراً، وهو يعتبر في طليعة المؤمنين بالحوار والعاملين له حتى في أصعب المواقف. وعلى الرغم من كل الخلافات السياسية التي نشأت بينه وبين “التيار الوطني الحر” على سبيل المثال، لم يتوان عن زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون والاجتماع به في قصر بعبدا للحوار ومحاولة تقريب المسافات وتضييق شق الخلافات بينهما، على قاعدة الحوار “أفضل من النقار”، فكيف للمنتقدين دعوته إلى حوار مع “حزب الله” أن يعتبروا ذلك “انقلاباً” أو “تكويعة” كما يحلو للكثيرين وصف مواقف جنبلاط، وكان واضحاً خلال مقابلته المتلفزة بوصف “حزب الله” وأنصاره بأنهم من أهل البيت ولم يأتوا من المريخ؟

ثانياً: في العلاقة مع “القوات”. للتذكير أنه منذ أن تمّت المصالحة التاريخية في المختارة التي رعاها مع البطريرك الماروني الراحل نصر الله بطرس صفير، لمحو آثار الحرب الأهلية والتهجير الذي أًصاب قلب لبنان، وجد جنبلاط في حزب “القوات اللبنانية” الذي كان رئيسه يقبع في سجن اليرزة، شريكاً صادقاً يعمل عن قرب لتثبيت المصالحة وتركيزها انطلاقاً من قاعدة أن الجبل لجميع أبنائه. وهو للتذكير أيضاً، زار النائب ستريدا جعجع في منزلها في يسوع الملك لتوقيع العريضة المطالبة بمنح زوجها عفواً عاماً تمهيداً لإخراجه من السجن الأمر الذي تحقق في العام 2005، ثم خاض انتخابات نيابية على لوائح مشتركة مع “القوات اللبنانية” منذ العام 2005. والذي يجمع جنبلاط بـ “القوات” أكبر مما يفرقهما على ما قاله أحد مسؤولي “القوات” قبل يومين حين تناول موقف جنبلاط المستجد، وتشديده على ما قال، بأن السيادة والحرية والاستقلال هي مبادئ راسخة لدى الفريقين لكنهما يختلفان في التكتيك، فلا يحاولنَّ أحد اللعب على وتر هذه العلاقة فهي من حيث الثوابت قائمة ومستمرة وإن اختلفا على بعض التفاصيل الداخلية.

ثالثاً: في الثوابت. كما هي حال العلاقة مع “القوات اللبنانية” من حيث التمسك بالمصالحة وقضية الحرية والسيادة والاستقلال، فإن تاريخ الحزب “التقدمي الاشتراكي” ووليد جنبلاط في ما يتعلق بقضية الصراع مع العدو الاسرائيلي تجمعه مع “حزب الله”، ويجب عدم التغاضي عن الثمن الغالي الذي دفعه الحزب وجنبلاط نفسه في سبيل القضية الفلسطينية باغتيال الزعيم كمال جنبلاط. كما يجب التذكير بأن المقاومة الوطنية انطلقت من منزل الزعيم الراحل وبالتالي فإن نقاط التلاقي مع الحزب يمكن أن تشكّل قاعدة أساسية تجمع ولا تفرق بينهما، وهما أيضاً نظما خلافهما بحيث لا يزال جنبلاط على موقفه المعارض لتدخل الحزب في الحرب السورية وحرب اليمن والتهجم على عمق لبنان العربي الذي تمثله دول الخليج وفي مقدمها المملكة العربية السعودية.

رابعاً: الأمن الاجتماعي. من المعلوم أن جنبلاط ومنذ العام 2019 تملّكه هاجس الوضع الاقتصادي المنهار وعدم قدرة اللبنانيين على الصمود طويلاً في وجه الأزمات التي تسبب بها انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية إلى جانب الهاجس الصحي الذي تسبب به انتشار جائحة كورونا وعدم قدرة المستشفيات على الصمود، فراح يسخّر كل ما يملك من قدرات لتوفير المساعدات للقطاع الصحي لدعم المواطنين على الصمود، ناهيك عن المساعدات الاجتماعية التي كان يغدقها من دون منّة يميناً ويساراً من دون تفرقة، ولذلك حدّد وبكل وضوح النقاط التي سيتناولها في الحوار مع “حزب الله” والمتعلقة بكيفية معالجة أزمة الكهرباء وكيفية إنشاء شركة وطنية لاستثمار الثروة النفطية والغازية الموعودة، مستثنياً من هذا الحوار النقاط الخلافية والتي قد تكون في مقدمها الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وكان جنبلاط واضحاً وصريحاً في موقفه من الانتخابات الرئاسية حين أعلن أن قراره وقرار رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط سيكون بالسير مع المرشح الذي يقدّم برنامجاً إصلاحياً واضحاً يفنّد فيه رؤيته وبرنامجه لمعالجة ما خلفته الادارة السيئة لجميع الملفات من قبل العهد القوي، وهو بالتأكيد لن يسير بمرشح مواجهة يتمسّك بالقرارات الدولية والأممية التي تسبّب شرخاً داخلياً، ولا بمرشّح سيجّر لبنان إلى محور مناهض للعمق العربي الطبيعي للبنان، كما لم يغب عنه التشديد على أن الرئيس العتيد يجب أن يملك برنامجاً واضحاً للحوار مع “حزب الله” تمهيداً لضم سلاحه إلى الجيش اللبناني.

إن غداً لناظره قريب، واللقاء الموعود الذي سيجمع جنبلاط بمسؤول التنسيق والارتباط في “حزب الله” وفيق صفا والمستشار السياسي للأمين العام للحزب حسين الخليل لم يعد بعيداً وسينعقد في الأيام القليلة المقبلة، ومع انعقادة يكون لكل حادث حديث والمؤكد أن جنبلاط سيدلي بدلوه حول ما دار ولن يعود هناك داع للتكهن ونشر التحليلات والاتهامات التي نحن والبلد كله بغنى عنها لأنها لن تسمن ولن تغني من جوع.

شارك المقال