الترويج للقتل مفهوم خاطئ لحرية الرأي والتعبير

حسين زياد منصور

صحيح أن حرية الرأي والتعبير مصانة في الدستور اللبناني، وتمتع اللبنانيين بها من دون أي “مطاردات” أو تهديدات نتيجة مواقف وتصريحات معينة، يدل على الرقي والاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع الواحد، لكن هذه الميزة ليست موجودة في المجتمع اللبناني وتاريخ الاغتيالات الطويل يشهد.

نالت محاولة قتل الروائي والكاتب البريطاني سلمان رشدي حصة كبيرة من أخبار العالم في اليومين الماضيين. ففي العام ١٩٨٩ أصدر الامام الخميني فتوى دينية تجيز قتله على خلفية نشر كتابه “آيات شيطانية”، الذي اعتبر هجوماً وتكفيراً وتدنيساً للدين الإسلامي، وعلى الرغم من مرور عشرات السنين ظن البعض أن هذه الفتوى أصبحت في خبر كان، الا أن المرشد الأعلى علي خامنئي أكد في العام ٢٠١٧ أنها لا تزال قائمة ومستمرة.

وكون منفذ العملية لبنانياً، فمن الطبيعي أن تكون التعليقات اللبنانية متناقضة بين مؤيد ومعارض، لكن المؤيدة للعملية صدرت عن شخصيات معروفة على الساحة اللبنانية كان أبرزها تصريح الصحافي في جريدة “النهار” رضوان عقيل وتغريدات وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى.

هذه المواقف خلقت اشكالاً وبلبلة بين اللبنانيين حول إطلاق مثل هذه المواقف، خصوصاً أنها تتعدى مسألة حرية الرأي والتعبير، وتحرّض على القتل، وهو أمر مرفوض مهما كانت الظروف.

وقال عقيل في مقابلة على قناة “الجديد”: “أؤيد تطبيق فتوى الامام الخميني بحق سلمان رشدي”.

هذا الكلام المفاجئ أثار انتقاد الكثيرين واستغرابهم، أولاً لناحية موقف يصدر عن صحافي معروف مثل عقيل، ثانياً لناحية الصحيفة التي يكتب لها، فـ”النهار” التي قدمت شهداء أمثال جبران تويني وسمير قصير ثمناً لحرية الرأي والتعبير في زمن القمع والاضطهاد، خلق الموقف الصادر عن أحد أشهر صحافييها العديد من الاشكاليات حول موقفها منه.

وجاء بيان “النهار” لتوضيح موقفها ولوضع النقاط على الحروف، فأكدت أنها “دأبت على احترام التعدّد والتنوع، بل على نشر الآراء التي لا تتفق مع سياستها، إيماناً منها بالكلمة وحرية التعبير”، معربة عن أسفها لـ “أن ينزلق أفراد من أسرتها الى تبنّي آراء لا تمت بصلة الى احترام قدسية الكلمة، كتبنّي الفتوى الداعية الى قتل الروائي سلمان رشدي من الزميل رضوان عقيل عبر (الجديد) اليوم (امس)”. واعتبرت أنه “إن كان يعبّر عن رأي شخصي، فان رأيه لا ينسجم إطلاقاً مع سياسة (النهار) التي تدعو الى مقارعة الكلمة بالكلمة، وليس بالقتل الذي دفعت ثمنه غالياً باغتيال جبران تويني وسمير قصير من قبل آلة قتل لا تقدّر قيمة الكلمة”.

وعلى الجهة الرسمية كان واضحاً موقف وزير الثقافة مما جرى من خلال تغريداته عبر منصة “تويتر”، فالقاضي المرتضى يحق له إصدار البيان الذي يريده، والتعبير عن رأيه بكل حرية، لكنه وزير في حكومة تمارس عملها وإن كان تصريف الأعمال، وباعتباره واجهة وزارة الثقافة، فبتغريداته هذه، أخذ موقف الوزارة الى مكان مختلف يبرر فيه العنف والاعتداء على حريات الرأي والتعبير.

يرى أحد المراجع القانونية أن للوزير الحق في التعبير عن رأيه في أي موضوع كان، وقد ضمن القانون ذلك، لكن بعيداً عن القانون كان على الوزير كونه شخصية رسمية ومعروفة الابتعاد عن هكذا منشورات لأنها لا تعبّر عن الرأي الرسمي للحكومة التي هو وزير فيها ويمثلها، بل تمثل الجهة السياسية التي يتبعها.

صحيح أن حرية التعبير مكفولة، لكن لها حدود وضوابط وإن لم يحددها القانون، وهذه المواقف لا تعتبر ضمن التعبير عن الآراء بل على العكس.

شارك المقال