إيران وحياكة الإخضاع

مارون مارون

ساذج مَن يعتقد أن لبنان في وضعه الحالي هو بمثابة دولة مستقلّة. بات جزءاً من محور يمتد من إيران إلى العراق واليمن، مروراً بسوريا وليس انتهاءً بلبنان… وللوصول إلى إحكام السيطرة على هذه الدول إضافة إلى قطاع غزة، كان على إيران أن تُحيك لكل كيان حبكة، لا بل شبكة، تُوقع فيها فريستها، على قاعدة حياكة السجّاد العجمي التي تشتهر بها، أو أن تستغل حدثاً ما لتفرض وجودها الأمني والعسكري، وبالتالي تستجمع أوراقاً عديدة صالحة لتفاوض بها المجتمع الدولي، وفي طليعته الولايات المتحدة الأميركية، وذلك على أكثر من جبهة، سواء في الملف النووي، أم في ملف الصواريخ البالستية، أم في ملف تمدد نفوذها في الدول التي ذكرناها أعلاه.

أمثلة توضح كيف تمكّنت إيران من بسط نفوذها على هذه الدول أو كيف سعت إلى أهدافها:

العراق: رداً على اجتياح الكويت، دخلت القوات الاميركية أرض العراق وتم إعدام الرئيس صدام حسين، الذي كان بمثابة رئيس غير تقليدي، حارب إيران في شبه جزيرة الفاو وتفوّق عليها… استغلت إيران إعدام خصمها التاريخي وأسست ميليشيات شيعية عمادها “الحشد الشعبي” وفرضت سيطرتها على البلاد، وباتت الحدود بين البلدين مشرّعة لإمداد حلفاء إيران بكل أنواع الدعم.

اليمن: حرّضت إيران أتباعها على قتل الرئيس علي عبدالله صالح، الذي كان رئيساً قادراً على الوقوف في وجه الإنقلابيين من أنصار “الحوثي”، إلا أن قتله أفسح لهم المجال في التمدّد والسيطرة على مُدن، وعلى مساحات واسعة من البلاد التي جعلوا منها منصة لإطلاق الصواريخ على المملكة العربية السعودية الداعية دوماً إلى الإستقرار والى علاقات حسن جوار.

غزة: بدا واضحاً الشعور بالنشوة لدى القيادة الإيرانية لغياب الرئيس والزعيم التاريخي لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، الذي توفى بعد أن تعرّض لجرعة من السُم وفق ما أفادت معظم التقارير والتحاليل التي أجريت له، بحيث استغلت إيران وفاة الرجل الذي استعاد الضفة وغزة من إسرائيل، لتقوم بانقلاب من خلال حركة “حماس” على منظمة “فتح” وتُحكم السيطرة على كل قطاع غزة، وبذلك تصبح إيران على الحدود الجنوبية لإسرائيل إضافة إلى وصولها إلى شواطئ المتوسط.

سوريا: لم تكن مهمة إيران صعبة بظل وجود نظام موال لسياستها، إلا أنها استغلت الحرب المستعرة بين النّظام والمعارضة، لتعزيز حضورها العسكري ونفوذها الذي استخدمته لسحق المدن السنيّة والقيام بحملات تهجير طائفية سواء إلى خارج الحدود أم داخلها.

لبنان: طبعاً ليس خافياً على أحد تورّط إيران عبر ذراعها باغتيال الرئيس رفيق الحريري، كزعيم سني لبناني يملك شبكة علاقات دولية قادرة على منع “حزب الله” من فرض سيطرته على لبنان. وقد اعتبرت إيران أن بإزاحته يسهل عليها بسط نفوذ ميليشياتها وبالتالي يكون هلالها قد اكتمل من إيران إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا.

باختصار، هذا هو واقع النفوذ الإيراني القائم على سياسة التصفية والتحريض واستجرار الحروب والدمار والإفقار وهدر الدماء، إضافة إلى جعل أرض البلدان الخاضعة محروقة وشعوبها مقهورة وإرادتها مسلوبة، وسيادتها ورقة تين في ملف على طاولة المفاوضات… والسلام.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً