“فورين أفيرز”: غزة ضربة قاضية لحل الدولتين وبداية حقبة أكثر عنفاً

حسناء بو حرفوش

نشر موقع مجلة “فورين أفيرز” الأميركية مقالاً يسطّر انتهاء البحث عن حل الدولتين في الأراضي الفلسطينية المحتلة وينبئ ببداية حقبة أكثر عنفاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين على خلفية المعارك الأخيرة وإلغاء الانتخابات الفلسطينية. وفيما يأتي ترجمة لأهم ما ورد في المقال:

“ستنتهي المعارك العسكرية بين إسرائيل وحماس في وقت ما قريبًا. لكن الجولة الأخيرة من المواجهات ستترك أثراً عميقاً وتداعيات طويلة الأمد كما ستعزز لدى الإسرائيليين والفلسطينيين ومعظم المجتمع الدولي، الشعور بأن البحث عن حل سلمي للصراع قد انتهى في القريب المنظور. وبغض النظر عن أن جولة العنف الأخيرة بدأت بشكل عرضي في أوائل شهر أيار، فإن عواقبها دائمة. وستخرج حماس من المعارك أقوى بينما السلطة الفلسطينية ورئيسها في موقف أضعف. وحتى مع تراجع العنف بين عرب إسرائيل واليهود في نهاية المطاف، ستكبر تصورات العرب عن التمييز المنهجي وعدم جدوى البحث عن المساواة داخل إسرائيل. كما سيتسع دور القدس الرمزي، معمّقاً الأبعاد الدينية للصراع، ما يؤشر للعودة إلى مرحلة قديمة من الصراع.

(…) ومع إدراك استحالة الوصول لنتيجة سلمية على المدى القصير إلى المتوسط، استمر اليمين الإسرائيلي بفرض نفسه (…) وبدأ المستوطنون الإسرائيليون بالتوسع في مناطق جديدة من الضفة الغربية وبمصادرة الأراضي الفلسطينية وهدم المنازل (…) ومع انحسار تضامن الدول العربية مع القضية الفلسطينية، شعر الفلسطينيون بشكل متزايد بالتخلي عنهم (…) وداخل إسرائيل نفسها، اتخذ الجناح اليميني الجريء خطوات لتهميش المواطنين العرب-الإسرائيليين (…) ولإعلان إسرائيل وطناً تاريخياً للشعب اليهودي وحصر التعاملات الرسمية باللغة العبرية (…) ويقوم السياسيون اليمينيون، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بالتحريض بشكل روتيني على الكراهية والخوف ضد عرب إسرائيل وممثليهم في الكنيست.

واختبرت السياسة الفلسطينية بدورها سلسلة من الانتكاسات. فقد قوضت على مدى السنوات العديدة الماضية، ثقة الجمهور بقدرتها على الحكم بشدة. كما أضرت بسيادة القانون وأضعفت القضاء وقلصت الحريات الإعلامية ومساحة المجتمع المدني حيث فقدت المنظمات الكثير من استقلالها عن الحكومة، بعد عدم إجراء أي انتخابات عامة منذ العام 2006. وترجمت النتيجة بزيادة السخط العام والمطالبات باستقالة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. ولم تظهر حماس سلوكاً أفضل في قطاع غزة. وقبل أسبوعين، اصطدمت هذه الديناميكيات المتضاربة بين الإسرائيليين والفلسطينيين وفي الداخل الفلسطيني. ويعود السبب الأول والأكثر وضوحًا لسياسات إسرائيل تجاه الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس القديمة ومعركتها الديمغرافية ضد الفلسطينيين في بقية القدس الشرقية المحتلة، ويضاف إليه مصدر توتر آخر هو حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. أما الدافع الآخر فهو القرار الإسرائيل ي بمنع إجراء الانتخابات الفلسطينية، التي كانت مرتقبة في 22 أيار، في القدس الشرقية، على الرغم من الالتزام بتسهيلها بموجب شروط اتفاقيات أوسلو 1993.

(…) ربما تلقى حل الدولتين ضربة قاتلة. ظاهريًا، قرر عباس ردًا على قرار إسرائيل، إلغاء انتخابات السلطة الفلسطينية، ووعد بإجرائها بمجرد موافقة إسرائيل على التراجع عن خطتها الأصلية. لكن قراره أدى إلى مضاعفة التوترات الفلسطينية الداخلية. ورفضته جميع القوائم الانتخابية الفلسطينية والمرشحون الآخرون تقريباً، بما في ذلك حماس. واشتبهت معظم الأحزاب بأن الدافع الحقيقي هو إدراك عباس أنه سيخسر السباق وسيضطر لتقاسم السيطرة على البرلمان مع ثلاثة منشقين بارزين عن فتح: محمد دحلان ومروان البرغوثي وناصر القدوة. وجادل معارضو عباس بأن على الفلسطينيين ألا يمنحوا إسرائيل حق النقض بانتخاباتهم (…) وسعت حماس من خلال إعادة دمج نفسها في العملية السياسية للسلطة الفلسطينية أي من خلال الانتخابات، لاستعادة شرعيتها وتحرير نفسها من عبء الحكم في قطاع غزة.

وفي ظل هذه الاستراتيجية، تولت حماس المقاتلة القيادة. وأتاح تصعيد الشرطة الإسرائيلية في الأقصى وعمليات الإخلاء الوشيك في حي الشيخ جراح الفرصة لتحقيق هدفين: الأول معاقبة عباس وإظهاره كغير ضليع بالسياسة. والثاني معاقبة إسرائيل على سياساتها المعادية للفلسطينيين في القدس الشرقية وقرارها بوقف الانتخابات في المدينة (…) وفي الواقع، أبدت حماس استعداداً للمخاطرة بالحرب في غزة لتظهر للشعب وقوفها بجانبه ودفاعها عن المدينة والمسجد الأقصى.

(…) وأدى قرار إسرائيل بإلغاء الانتخابات في القدس الشرقية وخطوة عباس اللاحقة إلى سلسلة من ردود الفعل غير المتوقعة من أي من الطرفين. لو جرت الانتخابات، لاحتدمت التوترات في القدس الشرقية لكن لما خرجت عن الإطار السلمي. ولانشغلت حماس وفتح وقوائم انتخابية أخرى بتعبئة ناخبيها ضد الشرطة الإسرائيلية والمستوطنين المتطرفين. ولما خاطرت حماس بالاستعدادات الانتخابية عن طريق شن حرب في غزة. لكن بدون انتخابات، بدت الساحة مهيأة للعنف.

الآن، كيف ستؤثر المواجهات الحالية على آفاق السلام طويل الأمد؟ على الجبهة الإسرائيلية الفلسطينية، تلقى حل الدولتين ضربة قاتلة على الأرجح. وبالنظر إلى الجهود الإسرائيلية لتهميش عباس والسلطة الفلسطينية، لن يكون من السهل تحييد الضفة الغربية عن الاشتباكات الحالية أو القادمة. ولن يكفي التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لاحتواء التوترات المتصاعدة (…) أما في الداخل، لن يتمكن عباس من البقاء في منصبه إلا من خلال منع إجراء الانتخابات. ولكن مع تزايد السخط الشعبي، تتضاءل قدرة أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية على الحفاظ على السيطرة وتهدئة السخط وقد تجد السلطة الفلسطينية نفسها بمواجهة جمهور غاضب. وسيخسر عباس والسلطة الفلسطينية والحركة الوطنية الفلسطينية ما تبقى لهم من الثقة الشعبية. الانتخابات والإصلاحات السياسية هي الوسيلة الوحيدة لجعل النظام شرعيًا وخاضعًا للمساءلة مرة أخرى.

أخيراً، يجب ألا ينسج أحد أوهاماً حول دور المجتمع الدولي في هذا السياق. في أفضل الأحوال، قد تساعد الدول العربية وسواها، بما في ذلك واشنطن، في إدارة الصراع ببساطة من خلال إطالة أمد الوضع الراهن. ومع ذلك، لا تمتلك هذه الأخيرة الإرادة السياسية أو القدرة على إجبار إسرائيل على احترام القانون الدولي أو إجبار عباس والسلطة الفلسطينية على احترام معايير الحكم الرشيد. وبقدر ما يبدو الأمر صعباً، يتوجب على الإسرائيليين والفلسطينيين التوصل إلى حلّ بأنفسهم.

كلمات البحث
شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً