الدين لا يلغي الانتماء الوطني

السيد محمد علي الحسيني

کثيرة ومتباينة تلك الأضرار والآثار السيئة التي ألحقتها ظاهرة التطرف والعنف الديني ببلدان منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما من حيث تحريف الأذهان عن الکثير من المفاهيم وتشويه الفهم السائد لها على مر العقود، خصوصا بعدما صارت هناك مخططات وأجندات سياسية مختلفة خلف هذه الظاهرة التي اتخذت لها في نهاية المطاف الإرهاب وسيلة وسبيلاً لتحقيق غاياتها وأهدافها، لکن الضرر الأکبر الذي ألحقته هذه الظاهرة بمنطقة الشرق الأوسط، انها اعتبرت الانتماء الوطني أو القومي من المحرمات التي تنهى عنه الأديان السماوية، وهو ما اعتقده وصدقه الکثيرون.

الإسلام دين يكرس الانتماء الوطني

إن ظاهرة التطرف الديني، رکزت کثيرا على مسألة إلغاء الانتماء للوطن وللقومية والتي بالغوا وغالوا کثيرا في النيل منها، متناسين أن نبي الإسلام”ص”، کان عربيا ولم يرتد أو يتخل عن عروبته وانتمائه، وهو لم يدعُ يوما کي يتخلى الناس عن قومياتهم أو أوطانهم، بل لطالما أکد عليها عندما قال”ص”: “حب الوطن من الإيمان”، وهو القائل عن حبه لمكة مسقط رأسه: “والله إنك لأحب أرض الله إلي، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجونى منك قهرًا ما خرجت”، وهذا يعني أن الدين لم يأت بديلا للوطن أو القومية وإنما لکل مساره وسياقه الخاص.
الإسلام الذي شرّف البشرية عموما والعرب خصوصا، جعل ثمة مقياسا للتفاضل والمقارنة بين القوميات والشعوب والقبائل وهو التقوى کما جاء في الآية الکريمة (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )، والتقوى لا تعني بالضرورة أن تتخلى عن انتمائك الوطني أو القومي أو الانساني، ذلك أن كلا من الانتماء القومي أو الوطني هما أيضا نعمتان من الله سبحانه وتعالى، فهو الذي خلقنا وقدر لنا الانتماء الوطني والقومي ولا اعتراض على مشيئته وإرادته أبدا.

الفكر المتطرف حال بين الانتماء الديني والوطني لتحقيق أهدافه المشبوهة

إن التيارات والاتجاهات المتطرفة عملت کل ما في وسعها من أجل خلق فاصلة ومسافة بين المتديّنين وأوطانهم وقومياتهم وحتى عوائلهم وعشائرهم لاستخدامهم حطبا من أجل أن يزداد سعير التطرف الديني في المنطقة، ويفرض نفسه کأمر واقع على جميع شعوب وبلدان المنطقة، والملاحظة المهمة هنا، هي أنه من المهم على کل فرد منا أن يتساءل مع نفسه ويقول: هل أن التيارات الدينية المتطرفة تستفيد وحدها من إلغاء الانتماء للوطن والقومية؟ لا شك أن هناك ثلاثة أصناف يستفيدون من إلغاء الانتماء الوطني والقومي لأي عربي وهم على وجه التحديد:
ـ العدو الخارجي الذي يرفض العيش في السلام.
ـ العدو الداخلي الذي يغذي التطرف الديني والفتنة الطائفية في المنطقة.
ـ المتربصون شرا من مختلف الأصناف والمشارب الأخرى.

إننا ومن موقعنا نرى بن الدين لا يلغي الانتماء الوطني أو القومي، ذلك أنهما نعمتان إلهيتان أنعمهما الله عز وجل على الإنسان وأن الله تعالى لا يمنح نعمة ثم يحرمها، مثلما أن الانتماء الوطني أو القومي يلعب دورا کبيرا في الحد من غلواء التطرف والغلو، كما أنه سد منيع بين الفرد وبين کل من يسعى لجره باتجاه مشبوه من أجل تحقيق أهداف وغايات ضارة کما هي حال معظم التيارات الدينية المتطرفة.

* أمين عام المجلس الإسلامي العربي

شارك المقال