اللاجىء السوري ليس ورقة للعب السياسي

عالية منصور

هي ليست الانتخابات السورية الاولى التي تحصل في سفارة النظام في لبنان بظل وجود اللاجئين السوريين، فقط سبق وحصلت مهزلة شبيهة في العام 2014 بعيد ارتكاب الاسد مجازره في حمص وريف دمشق وبعيد مجزرة الكيماوي الشهيرة.

تكرر المشهد بالأمس. شبان سوريون في باصات وسيارات باهظة الثمن يجولون المناطق يحملون صور بشار الاسد، وهذه المرة صوره لا يبدو عليها علامات التعب بعد عمليات التجميل التي خضع لها. ولكن ترافقت المسيرات بالأمس مع اعتداءات على المواكب السيارة ومطالبات بطرد كل من صوت وشارك بهذه المهزلة، من دون ان يخبرنا اصحاب هذه الدعوات كيف سيضمنون ان من سيتم ترحيلهم هم فقط الموالون للاسد؟ وان كانت لديهم قوة لفرض هذا الامر دون سواه على الدولة اللبنانية وهم العارفون انها خاضعة لارادة “حزب الله” وحلفاء الاسد؟

والغريب ان من قام بهذه الحملات كان يعلم منذ اسابيع بموعد اجراء هذه الانتخابات وبأن المشهد السابق سيتكرر، ومع ذلك لم يصدر بيانا واحدا يطالب الدولة اللبنانية بعدم السماح بحصول الانتخابات على اراضيها، علما ان البلد لا يزال خاضعا للتعبئة العامة بسبب كورونا، وهو نفس السبب الذي تعطيه الحكومة لعدم حصول الانتخابات الفرعية بعد استقالة ووفاة أكثر من 10 نواب، بل كان بامكانهم المطالبة بعدم السماح بهذه الانتخابات من ضمن الدعوات للحياد واسوة بعدد من الدول التي منعت اجراء اي انتخابات على اراضيها.

ما لا شك فيه ان مشهد صور قاتل السوريين واللبنانيين مرفوعة مع هتافات “بالروح بالدم” امر مستفز جدا لجميع الاحرار من الجنسيتين. ولكن ألم يسل أحد نفسه لماذا هذا المشهد لا يسمح به الا في لبنان، لماذا لا نراه بدول اخرى سمحت باجراء الانتخابات على ارضها؟ واين كانت الدولة اللبنانية أمس؟

تابعنا واستمعنا لقصص سوريين وكيف تم ابتزازهم وتهديدهم، في محاولة لارغامهم على المشاركة بالعرس الديمقراطي. بعضهم رضخ وكثيرون رفضوا. ولكن لم نسمع بأحد يطالب بحماية هؤلاء اللاجئين من تهديدات النظام السوري لهم وهم في الاراضي اللبنانية، ولا سمعنا عن أحد اعترض على مشاركة احزاب وشخصيات لبنانية بالضغط على هؤلاء السوريين.

هذا لا يعني انه لا يوجد مؤيدون بين اللاجئين وحتى بعض الشبيحة، ولكن من اين امتلكوا كل هذه الجرأة ليقوموا بكل ما قاموا به لو لم يكونوا واثقين من حماية احزاب مؤثرة وبعض اجهزة الدولة اللبنانية لهم؟

فاضت صفحات التواصل الاجتماعي وشاشات التلفزيون بشتى انواع التحريض ضد السوريين، لم يقتصر الامر على من هتف لقاتل شعبه بل وكأن سباقا قد بدأ بمن يزايد أكثر بعدائه، ولكن العداء لمن؟ لم تكن الصورة واضحة.

في وقت نقلت وسائل الاعلام عن مصادر بسفارة النظام السوري ان عدد المقترعين لم يصل الى 50 الفا، كان أحد الصحافيين اللبنانيين يؤكد ان نحو نصف مليون لاجىء سوري شارك بالانتخابات، المعنى الحرفي لمقولة “الحكي ما عليه جمرك” تجلت امس.

الغائب الاكبر عن المشهد أمس كانت المعارضة السورية. كل من تواصلنا معهم من عدة مناطق لبنانية كدوا انهم لم يسمعوا بأي نشاط للمعارضة، الممثلة بالائتلاف السوري المعارض، لا لتوعية اللاجئين ولا لتقديم ضمانات لهم ولا لنقل ما يتعرضون له. أمس فقط بدأ احد اعضاء الائتلاف بارسال رسائل صوتية يطالب من اللاجئين المعارضين بالمشاركة بالحملة ضد اللاجئين المؤيدين، بايعاز من بعض الشخصيات اللبنانية التي تواصلت معهم عبر بعض محازبيها، وكأن ما ينقص لبنان والسوريين هو نقل صراع سوري – سوري على الاراضي اللبنانية؟

نعم بشار الاسد مجرم. قتل مئات اللبنانيين، وقتل أكثر من نصف مليون سوري. والعدالة لن تتحقق الا بمحاكمته ومن شاركه بجرائمه، وهذه المهزلة المسماة بالانتخابات سبق ورفضها معظم السوريين، واعلنت دول غربية وعربية عدة عدم اعترافها بنتائجها، فلا انتخابات مقبولة في سوريا قبل تحقيق الانتقال السياسي وتطبيق بيان جنيف 1 والقرار 2254. والى حينه وبدل محاولات البعض البائسة استخدام اللاجىء وقودا في معاركه الداخلية، او ورقة يستخدمها ليقول للخارج: “انا هنا احفظوا مكاني بالتسوية الآتية” كان الاجدى اقامة حملات ضد وجود “حزب الله” في سوريا، لا معارضته كلاميا هناك ومغازلته هنا. كان الاجدى بالتحقق من عدد المرات التي سافر فيها اللواء علي مملوك من مطار رفيق الحريري الدولي، وهو المتهم والمطلوب للعدالة اللبنانية بتهمة قتل لبنانيين والتحضير والتحريض مع ميشال سماحة للقيام باعمال ارهابية على الاراضي اللبنانية.

كان الاجدى المطالبة بطرد سفير النظام السوري الذي انتهك سيادة لبنان مرات ومرات، وبكل تأكيد هم يعرفون دوره بخطف سوريين من لبنان وتسليمهم للسلطات السورية على طريقة المافيات. كان الاجدى السؤال: اين هي الدولة اللبنانية من كل ما يجري؟

كل ذلك وأكثر كان ممكنا بدل اللعب على وتر خلق صراعات قد تأخذ اشكالا عدة في بلد يعاني الويلات. ويبقى المضحك المبكي ان الفرق بين حملة رفض العنصرية ضد دول الخليج وحملة التحريض على السوريين بحجة وجود مؤيدين بينهم، ليس الا ساعات قليلة، فحتى رفض العنصرية امر يخضع لاعتبارات عدة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً