حركة بلا بركة… والبلد في ثلاجة الانتظار!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

لا جديد يذكر تحت شمس لبنان، وكأن البلد كله في إجازة بإستثناء بعض التحركات والزيارات واللقاءات السياسية التي تبدو حتى الآن مجرد حركة بلا “بركة”، كان أهمها لقاء وفد من “حزب الله” برئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” النائب السابق وليد جنبلاط، هذا اللقاء الذي أثار زوبعة من التعليقات وأسال الكثير من حبر التحليلات والتوقعات نظراً الى أهميته في تقرير مسار الأحداث في البلد النابعة من أهمية فريقي اللقاء. فـ”حزب الله” شئنا أم أبينا هو الطرف الأقوى في لبنان سياسياً وشعبياً وتنظيمياً وغيرها من المجالات، ووليد جنبلاط كان ولا يزال وسيبقى حتى إشعار آخر “بيضة القبان” في السياسة اللبنانية – بغض النظر عن الموقف السياسي منه – نظراً الى حيثيته السياسية التي استعصت على التدجين والإلغاء أو حتى الإضعاف على الرغم من كل “الحروب” التي شنت عليه سابقاً في محاولة لترهيبه، هذه الحيثية المستمدة أولاً من دعم شعبي درزي لا ينضب يرى فيه الزعيم الأوحد والأوفى لجماعته مهما تبدلت الأحوال، وثانياً من تاريخ سياسي وعسكري له رمزيته، وتحالفات صاغها وحارب تحت عناوينها طوال مدة زعامته الممتدة منذ العام 1977 التي أتت في أحلك الظروف وأقساها داخلياً وإقليمياً، وثالثاً من علاقات إقليمية ودولية متنوعة تسمح له بقراءة التطورات – وهو القارئ الجيد والبراغماتي – بما يعرف عنه من حسن إلتقاط الإشارات والسير على هديها بغض النظر عن مواقفه من هذه الإشارات ومدى مواءمتها لقناعاته السياسية والفكرية.

هذا اللقاء الذي أراده جنبلاط كما أعلن بنفسه لقاءً تشاورياً حول أمور داخلية تخص ملفات لبنانية صرفة، محيّداً بذلك القضايا الخلافية مثل قضية السلاح والصراع الإقليمي الذي يغوص فيه “حزب الله” عميقاً، والذي يذكرنا بخطوة الرئيس سعد الحريري السابقة تحت مسمى “ربط نزاع”، أصاب بداية رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل بـ”نقزة” دفعته للذهاب إلى الديمان وهو المعروف ببعده سياسياً عن طروحات بكركي، قاصداً البطريرك بشارة الراعي للتشاور معه وطرح رؤيته ومواصفاته لشخصية الرئيس المنتظر التي لم تتبدل في نظره كما يبدو على الرغم من ثبوت فشلها على مدى السنوات الست التي حكم فيها وتحكم “التيار الوطني الحر” بالسلطة، طالباً “بركة” البطريركية المارونية التي كانت قد أعلنت بدورها مواصفاتها الخاصة لشخصية الرئيس الجديد، وهي مواصفات كما تبدو تتناقض كلياً مع نظرة باسيل وتخرجه وغيره من “الموارنة الكبار” من السباق.

كما شكَّل هذا اللقاء قلقاً لدى الجناح الثاني لـ “إتفاق معراب” والخصم السياسي اللدود للعهد وجبران باسيل، “القوات اللبنانية” ورئيسها سمير جعجع الذي له أيضاً مواصفاته للرئيس العتيد التي تكاد لا تنطبق سوى عليه هو على الرغم من “تعففه” والقول بأنه سيؤيد أي شخصية أخرى تتحلى بهذه المواصفات. هذا القلق دفعه إلى إطلاق تصريحات يرفض فيها مجرد الحديث عن “رئيس توافقي” وصلت حد إتهام من لا يسعى من النواب السياديين والمستقلين والتغييريين إلى إنتخاب رئيس “سيادي” بمواصفاته بأنه “خائن”، وهو ما يُؤشر ولو تلميحاً إلى ضيقه من خطوة جنبلاط وإن حَرِصَ على عدم كسر الجرة معه.

هذا الشعور لدى “الثنائي الماروني” يؤكد أن لقاء جنبلاط – “حزب الله” لا يمكن أن يتم من دون أن يُبحث فيه ملف رئاسة الجمهورية بغض النظر عن القول بعكس ذلك، خاصة وأن جنبلاط كان قد طرح مواصفاته هو الآخر للرئيس الجديد وهي مواصفات “سركيسية” – إذا صح التعبير – نسبة الى الرئيس الأسبق الراحل إلياس سركيس بما يعني سياسياً رئيس مستقل ومعتدل مقبول من الغالبية إن لم يكن بالإجماع لإدارة الأزمة بإنتظار تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود في التطورات الإقليمية والدولية، وإن كان لم يقفل الباب نهائياً أمام سليمان فرنجية المقرب من “حزب الله” و”الموعود” منه كما يعلم الجميع بالمنصب منذ ست سنوات طبقاً لمقولة “ميشال عون عين وسليمان فرنجية عين” التي أعلنها الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله عند تزكية ميشال عون للرئاسة و”فرضه” في العام 2016 بعد فراغ دام أكثر من سنتين، وهو ما أوحى بأن الدور عام 2022 هو على سليمان فرنجية، إلا إذا اقتضت التطورات الاقليمية والدولية غير ذلك.

وفي هذا الإطار، لا يمكن إغفال دور الرئيس نبيه بري والعلاقة الشخصية والسياسية الاستراتيجية التي تربطه بوليد جنبلاط ما يجعل منه قاسماً مشتركاً وجسر تواصل بينه وبين “حزب الله” كما كان في السابق يمثل هذا الدور بين تيار “المستقبل” و”حزب الله” بحيث نجح تكتيكياً في تبريد الجو نسبياً، وفشل إستراتيجياً في تغيير الواقع الداخلي إلى الأفضل بسبب خيارات “حزب الله” في دعمه للعهد القائم ما أدى مع غيره من الأمور إلى إتخاذ الرئيس الحريري قراره بتعليق نشاطه وتياره السياسي في الوقت الحاضر.

بانتظار التطورات تبقى هذه التحركات والمواقف مجرد حركة بلا “بركة” بحيث أن البلد مستمر في طريق الانحدار في كل المجالات، وما عودة الطوابير إلى محطات الوقود مصحوبة بالحديث عن تحرير كامل للسعر ما قد يؤدي إلى إزدياد الطلب على الدولار مع ما يحمله هذا من تأثير على سعر الصرف مقابل الليرة وغلاء الأسعار، وكذلك رفع رسوم الدولار الجمركي وتأثيراته في ظل غياب أي تحرك جدي لتسريع تشكيل الحكومة، الا وضع للبلد في حالة تصريف أعمال دائم وفي ثلاجة التعطيل والإنتظار، بينما القوى السياسية – المارونية منها تحديداً – متلهية ولا ترى من الأوضاع إلا موضوع رئاسة الجمهورية والخلاف على “جنس” الرئيس و”طبيعته”، كمن يختلف على إسم القبطان فيما السفينة تغرق وتغرق وتغرق، بينما الأطراف الأخرى كل يغني على “ليلاه” البعيدة كل البعد عن مصلحة البلد والناس التي لا تجد لها “متيّماً” يغني ويتغنى بها ويعمل لمصلحتها.

شارك المقال