ملف اللاجئين… حلبة ملاكمة شعبوية بلا حلول فعلية

محمد شمس الدين

افرحوا يا لبنانيين، لقد كاد وزيران أن يضربا بعضهما البعض من أجلكم. هذا ما حصل في الاجتماع الوزاري الذي دعا إليه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في السراي الحكومي، حيث كاد وزير المهجرين عصام شرف الدين، ووزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار، أن يحولاه إلى حلبة ملاكمة، بسبب النقاش حول ملف اللاجئين السوريين الذي تطور الى خلاف، بحيث اعتبر شرف الدين أن حجار يتعدى على صلاحياته. وبعدما عاد الهدوء الى الاجتماع، سأل أحد الوزراء المشاركين فيه الرئيس ميقاتي، إن كانت هناك نية لعودة اللاجئين إلى بلدهم، كي يبدأ العمل من أجل إنجاز هذا الأمر، وقال: “إذا ما بدكن ترجعوهن خبرونا حتى نعرف كيف بدنا نضحك عالناس، وإذا بدكن ترجعوهن، خلينا نعرف نبلش نشتغل”. ولم يحصل الوزير على جواب واضح من ميقاتي الذي أخذ يراوغ إلى أن انتقل النقاش إلى ملف آخر.

وللوقوف على ما حصل، تواصل موقع “لبنان الكبير” مع الوزير شرف الدين، الذي قلل من أهمية الإشكال، مؤكداً أنه “خلاف عابر، بل وقد تم حلّه، وسنجتمع أنا والوزير غداً (امس)، والأفضل أن نتكلم في الموضوع الأساس، أي أزمة اللاجئين، فعندما وضعنا الخطة في الأساس، كنا نتحدث عن 15 ألف لاجئ تتم إعادتهم إلى سوريا، وسيكون كل شيء جاهزاً لاستقبالهم هناك، حيث أن مراكز الإيواء تنتشر في كل المناطق السورية، وتشتمل على كل الخدمات اللازمة، وكذلك هناك عفو رئاسي من أجل تشجيع عودتهم، وكان المعنيون إيجابيين جداً، ومستعدين للذهاب إلى أكثر من 15 ألف لاجئ شهرياً”.

وعن الانعكاسات الدولية على لبنان نتيجة عودة اللاجئين، قال شرف الدين: “بالنسبة الى المجتمع الدولي عندما يتم الاتفاق بين دولتين، يعتبر هذا الأمر شأناً بينهما، وبالتالي يتخطى ذلك الرفض المؤقت لشؤون النازحين، بحيث أن المفوضية العليا تعتبر سوريا غير أمنة، وبالتالي هي ترفض عودة النازحين إليها، ولكنه أمر سياسي، وهناك اتفاقية اللاجئين العالمية عام 1951، وبروتوكول عام 1967 التابع لها، والتي لم يوقع لبنان عليها، كما أنه ليس لديه قانون داخلي مطبق للاجئين، ووفقاً للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، يحق للدول بموجب القانون الدولي، طرد الأشخاص الذين يتبين أنهم ليسوا بحاجة إلى حماية دولية، ومن واجب بلدان الأصل أن تسترد مواطنيها”.

رئيس “المركز اللبناني لحقوق الإنسان” وديع الأسمر كان له رأي آخر في الموضوع الذي يطرحه الوزير، واصفاً إياه بـ “الوزير السوري”. واعتبر أن “كل هذه الطروحات والمشجعات هي صف كلام، نحن نعرف كيف صدرت قرارات العفو في سوريا، ومنذ العام 2011، وكان قد صدر سابقاً قانون في سوريا جرّد الناس من بيوتهم، وحسب النص في الورقة التي يتغنون بها، هناك جملة (وفقاً للأنظمة والقوانين النافذة)، وهذا ما يخيف اللاجئين من العودة إلى بلدهم. هذا الأسلوب يذكرني بفترة النفي لرئيس الجمهورية ميشال عون في فرنسا، حين كان يقول له النظام الأمني اللبناني – السوري أن يعود، وأن السلطة اللبنانية ليست لديها أي مشكلة معه، ويمكنه حل مشكلته مع القضاء، ولم يدر عون عن العودة وقتها، بينما هو يحاول فرض العودة على اللاجئين الذين حالتهم مثل حالته، وهنا نحن لا نتكلم عن سارق مثلاً كي ينفذ القانون بحقه، المشكلة هي الادعاء السياسي، واتهامات معارضة النظام. هم يقولون للاجئين إن عليهم العودة للعيش تحت سطوة النظام، الذي يمكن أن يلاحقهم لأي سبب قانوني، وقد يتحجج بتهمة الخروج من البلاد خلسة، وهذا ينطبق على غالبية اللاجئين التي لم تمر على المعابر الحدودية الرسمية”.

لبنان لم يوقع الاتفاقيات الدولية التي اعتمدها الوزير شرف الدين، بحسب ما أشار الأسمر، لافتاً الى أن “المبدأ سهل جداً، يحق لأي بلد أن يضع قانون لجوء يحترم القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهذا القانون يشمل شروط اللجوء، وكيف يعيش اللاجئ في بلد اللجوء، ونحن نكافح منذ 10 سنوات ونطالب الدولة بإقرار هكذا قانون، وإن كانوا يخافون من التوطين، يستطيع القانون بكل سهولة أن يستثني الأشخاص الخاضعين لحماية الأنروا”. واستهجن كلمة الطرد، موضحاً أن “معاهدة مناهضة التعذيب في مادتها الثالثة، واضحة جداً، أي إنسان ممكن أن يكون عليه خطر الموت أو التعذيب أو انتهاك حقوقه، أو ممكن أن يتعرض للتوقيف التعسفي في البلد الذي سيرحل إليه، لا يحق للدولة اللبنانية أن ترحله، واليوم المنظمات الدولية تقول بكل وضوح، إن سوريا ليست أمنة”.

ملف اللاجئين يجب أن يكون موضع نقاش بين ثلاثة أطراف هي: الدولة اللبنانية التي من واجبها حماية المتواجدين على أرضها، النظام السوري الذي يجب أن يقدم الضمانات اللازمة، والأمم المتحدة التي عليها أن تراقب، كما رأى الأسمر، مؤكداً أن “غير هذا الطرح، يكون كلاماً شعبوياً، والدليل على ذلك أن هناك نقطة أساسية يتجنب الوزير الكلام عنها، وهي لماذا لا توقف الأجهزة الأمنية السوريين الذين يذهبون إلى سوريا ويعودون إلى لبنان؟ لأنها بكل بساطة مناورات سياسية، والسؤال اليوم هل النظام في سوريا مستعد أن يضمن عودة النازحين إلى بيوتهم؟ وهل يتعهد بعدم ملاحقتهم لأسباب سياسية أو أمنية متعلقة بالحرب في سوريا؟”.

يجب إيجاد أرضية للاجئ السوري كي يعود إلى سوريا، ويحس بالأمان مهما كان موقفه السياسي، بحسب ما شدد الأسمر، معرباً عن تخوف المنظمات الحقوقية من “أن تتقصد الأحزاب هذه الألاعيب في موضوع اللاجئين، كي تضعضع الوضع الأمني، وتحديداً أننا على أبواب الاستحقاق الرئاسي”.

لبنان يريد أن يحل موضوع اللاجئين وفقاً لمبدأ الاتفاق بين بلدين، ولكنه لا يعرف حتى اللحظة أصلاً إن كان يريد عودة العلاقات مع الدولة السورية كما في السابق أم لا، مما يضع هذا الملف في مزاد الشعبوية والاستغلال السياسي، من دون تحقيق أي تقدم حقيقي فيه، وبدل أن يعمل الوزراء المعنيون على خلق حوار ثلاثي مع سوريا والأمم المتحدة، للخروج بصيغة مناسبة، تتم إضاعة الوقت على عراضات سياسية وشعبوية.

شارك المقال