… هؤلاء لم ينتخبوا الأسد

راما الجراح

بعد مرور سنوات من الحرب والقتل والتشريد والدمار في سوريا، مشهدية الزحف إلى السفارات السورية للمشاركة بالاقتراع تبدو محبطة للسوريين المعارضين ولمن احتضن اللاجئين في لبنان، فهناك من توسّل المساعدة ووقف أمس مع طابور من المؤيدين للنظام، يهتف “بالروح بالدم نفديك يا بشار”. ربما استسلموا طمعاً بالعودة إلى أهلهم بعد الحديث عن حل قريب في سوريا بغض النظر عما يطبخ من اتفاقات، ولكن أي حل يتوقع في ظل فوز بشار الأسد بولاية جديدة هي الأهم منذ عام ٢٠١١ مع بداية الأزمة السورية؟

في الجهة المقابلة كانت هناك فئة من السوريين غائبة عن هذه المشهدية المخزية ولم تطلهم وسائل الاعلام للتعبير عن مواقفهم على الأقل من باب التوازن. فالسوريون الذين لم يخرجوا للمشاركة بالاقتراع، رفضوا بيع دماء شهدائهم والخضوع، فئة ما زالت لا تنسى ما اقترفته ايدي بشار من جرائم بحق شعبه وهي لا تزال مقتنعة بأن الثورة السورية ستحصد يوما انتصارها وان تأخر ربيعها في الوصول.

كل من اقترع خائن

أم خالد، ابنة الغوطة الشرقية تقول لـــ “لبنان الكبير”: “كل من ذهب للاقتراع اليوم خائن بحق بلده وأهل بلده المظلومين، مَن قتل أولادنا ودمّر بلادنا لا يستحق هذا الاهتمام، هذا النظام المجرم قتل فلذة كبدي وأعاده لي من دون عينين، قتلوه من دون ذنب حتى بتُ أتمنى لو كان ولدي منتسب إلى الجيش الحر كي لا أحزن أكثر على مقتله. لم أنتخب الأسد ولن أنتخبه وهذا فعل الشرفاء، وأقول للذين انتخبوه اليوم خائفين أو مجبرين، أنتم تعلمون كما يعلم الجميع لا عودة آمنة إلى سوريا في المدى القريب، وإذا صار وأعادونا قسراً في زمن الأسد، سيقتل ما تبقى من عائلاتنا”.

أين الضمير؟!

دمّروا بيته الجديد في حمص واستخدموه ثكنة عسكرية بعدما بقي لسنوات يجمع ماله لاكمال بنائه، أبو الوليد متوسط العمر، يتساءل بحرقة عن ضمير السوريين الذين هبّوا للمشاركة بإنتخاب الأسد، واصفاً إياه بطاغية الشام ويقول: “لا يوجد عائلة سورية لم تفقد حبيبا أو قريبا لها في الحرب، فكيف يساومون اليوم على دماء أحبابهم، الشعب السوري محترم، لكن الفئة الشبيحةشوّهت سُمعتنا عربياً ودولياً. لن أنتخب بشار اليوم ولم أنتخبه عام ٢٠١٤، نحن أصحاب مبدأ بغض النظر عن الفئات الأخرى. فمن تسبب بدمار مستقبلي ومستقبل أولادي لن أسامحه، وأتضرع إلى الله أن يكتب لي العودة إلى سوريا عند خلع الأسد عن عرشه وليس قبل ذلك”.

قانون الأسد: اغتصاب الامهات

هيكل، شاب سوري يبلغ من العمر ٢١ عاماً، عامل في أشغال البناء، نزح من إدلب إلى لبنان مع إخوته وأعمامه منذ ٦ سنوات، بعدما خطف النظام السوري أباه وقتل والدته أمام عينيه، وبحسب قانون الانتخاب السوري يتمتع هيكل بحقه في الانتخاب عندما يُتم الثامنة عشرة من عمره ولكنه رفض ممارسة حقه، ويروي لنا السبب قائلاً: “دخل الجيش السوري منزلنا وخطف والدنا، ثم هجموا على أمي التي كانت تحتضنني أنا واخواتي وصرخاتها كادت تطال السماء فسحبوها منّا ثم أمر الضابط باغتصاب جماعي لها أمام أعيننا ولم نستطع الدفاع عنها بسبب أيدينا المكبّلة وأفواهنا المغلقة. كنتُ شاهداً على كل شيء، وكانت النهاية بتقطيع ثديّها عن جسمها ورميها على الأرض روحا بلا جسد، وبعد كل هذا كيف سأنتخب قاتل أمي وخاطف أبي؟ كم من حالة تشبه حالتي وأفظع منها بين صفوف السوريين الذين ينتظرون دورهم للاقتراع اليوم لصالح المجرم، وأؤكد أن أغلبهم يقترعون خوفا من الآتي لا محبةً ببشار، لكنني لا أشبههم، أخاف ربي فقط وآمل الرجوع إلى بلدي في ظروف أفضل بعد زوال المجرم”.

برغم الخوف والرعب، برغم أن أسماءهم لن تندرج على لوائح المقترعين، الأمر الذي من الممكن أن يشكل خطراً على حياتهم في حال العودة القريبة إلى سوريا، إلا أنهم قالوا ” لا”، بقلبِ هيكل الثائر، ودموع أم خالد الحزينة، وتجاعيد وجه أبو الوليد التي تحاكي روايات من الأسى والظلم، رفضوا الاقتراع ونادوا بالحرية أملاً بالعودة الآمنة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً