الصحافيون في خطر… من يردع منظومة القمع؟

جنى غلاييني

لطالما اعتبرت الصحافة اللبنانية منبراً للحريات، وحضناً دافئاً وحصناً منيعاَ للأحرار في البلدان المجاورة، إلا أن الحال تغيرت في السنوات الأخيرة، اذ تعمدت المنظومة الحاكمة قمع كل من يجرؤ على رفع الصوت في وجه إخفاقاتها وسياساتها الفاشلة، ودأبت على كسر الأقلام وتجفيف حبرها لأنها تخشى الكشف عن فسادها وصفقاتها وسمسراتها، وتريد الاستمرار في نهجها الجهنمي، والافلات من العقاب.

“من يؤمن بحرية الرأي والتعبير لن يستكين ولن يتراجع عن قول الحقيقة مهما كلف السبيل إليها”، إنه لسان حال معظم الصحافيين في لبنان الذين يعتبرون أن الانتهاكات بحقهم تتزايد وتتنوع خصوصاً بعد انتفاضة 17 تشرين 2019، والتقرير الذي أصدرته منظمة “مراسلون بلا حدود” في التصنيف العالمي لحرية الصحافة للعام 2022 خير دليل على ذلك، بحيث سجل لبنان تراجعاً كبيراً إذ حلّ في المرتبة 130 بين 180 دولة بعدما كان في المرتبة 107 العام الماضي أي بتراجع 23 مرتبة.

جبران تويني، سمير قصير، لقمان سليم… أسماء تركت أثراً كبيراً في عالم الصحافة الحرّة ودفعت ثمناً باهظاً معمّداً بالدم.

لقمان سليم الناشط والمعلق السياسي والناشر اللبناني كان آخر من استهدفته آلة الاغتيال، بالرصاص في سيارته في 4 شباط 2020، وكان قبل مقتله يشعر بأن أيامه معدودة بسبب التهديدات التي كانت تلاحقه، فأبلغ أفراد أسرته بأنه إذا حدث له أي شيء فان “حزب الله” قد يكون وراء ذلك لأنه كان ناقداً صريحاً له ومعارضاً لسياسته.

واليوم تعود تهديدات الصحافيين إلى العلن، بدءاً من المضايقات في عملهم الى الإهانات اللفظية والاعتداءات الجسدية، وحتى التوعد بالقتل. وآخر من تعرّض للتهديد المصور الصحافي حسن شعبان بعدما صوّر في 3 آب الجاري سكان بلدة بيت ياحون في الجنوب وهم يحتجون على نقص المياه لعدة أيام متتالية. وبعد الاحتجاج تعرض شعبان لهجوم من أنصار “حزب الله”، ثم كرروا تهديدهم له في اليوم التالي عبر رصاصة علّقت على نافذة سيارته.

استيقظ شعبان ليجد اطار سيارته التي كانت مركونة أمام منزله في بيت ياحون مثقوباً وورقة عليها تهديد يقول “فل من الضيعة يا عميل يا كلب”.

وفي اليوم نفسه رفع شعبان دعوى قضائية ضد مجهول في مركز شرطة بنت جبيل بعد تهديده بالقتل إذا لم يغادر مسقط رأسه. وقال لوسائل إعلام محلية إنه غادر القرية لبضعة أيام حتى يهدأ الوضع وتتضح الصورة تماماً، مشيراً الى أن وسطاء البلدة الذين حاولوا حل الأمر أوصوا بحذف منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي بدلاً من اقتراح محاسبة الجناة ومحاكمتهم بعد الهجوم والتهديد بالقتل.

وفي حركة ترهيب وتخويف مماثلة، تعرضت الصحافية ديما صادق مرة أخرى لحملة عنيفة شنت ضدها على مواقع التواصل الاجتماعي بعد نشرها يوم السبت الماضي صورة لقاسم سليماني والخميني مع تسمية توضيحية تقول “آيات شيطانية”.

ونشرت صادق الصورة رداً على محاولة الاغتيال التي تعرّض لها الكاتب البريطاني سلمان رشدي في ولاية نيويورك، منذ صدور فتوى إيرانية ضده في العام 1989، بعد عام من نشر روايته “آيات شيطانية”.

وكتبت صادق يوم السبت على حسابها على “تويتر”: “أنا موضوع تحريض علني على حملة اغتيال أطلقها جواد نصر الله”. وطلبت اعتبار تغريدتها بمثابة إخباراً بالحملة موجهة إلى السلطات اللبنانية، وأرفقت رسالتها بلقطة شاشة لتغريدة من مستخدم إنترنت آخر تقول إن “هدر دم ديما صادق واجب أخلاقي”.

أبو زيد: لا سلطة تحمي الصحافة

وفي حديث مع رئيس نادي الصحافة الصحافي بسام أبو زيد، أكد لـ “لبنان الكبير” أن “ظاهرة تهديد الصحافيين اللبنانيين وترهيبهم ليست ظاهرة جديدة بل هي موجودة دائماً ويستسهل الفاعل القيام بها لعدم وجود رادع، وَخَصوصاً في لبنان. وليس بالضرورة أن تكون صحافياً فحتّى أي إنسان عادي إذا كان رأيه مخالفاً لرأي مجموعة أخرى يُخوّن ويوصف بالعمالة ويهدد على الدوام”.

ويلفت الى أنّه “لم يعد هناك رادع لتلك الأمور التي يمكن لأي شخص أن يقوم بها. واليوم عندما يدلي الشخص برأي يفترض أن يواجه برأي آخر وليس بتهديدات وشتائم”. ويقول: “اننا نعيش اليوم في بلد أصبحت أي كلمة في ظل ظرفه غير العقلاني (ممكن أن تشعل الدني)، وأي تعبير له القدرة على أن يخرّب الوضع أكثر، لذا يجب على الجميع أن يكونوا متنبهين لردود الفعل كيف يمكن أن تكون، فالناس أصبحت لا تستخدم عقلها ومنطقها في الأمور لذا تأتي ردود الفعل بطريقة سيئة جدّاً”.

ويضيف: “أن هذه التهديدات التي يتعرّض لها الصحافيون يمكن أن تؤدّي إلى ما لا تحمد عقباه، اذ من الممكن لأي شخص يلتقي بأي صحافي كان قد كتب شيئاً معيناً يخالف رأيه أن يهجم عليه ويبرحه ضرباً وإمّا يقتله، لذا لا أحد يمكن أن يضبط تصرفات الناس المعبأة، وهذا الموضوع بالنسبة لي مفتوح على كل الاحتمالات ولا حدود له، ولا يمكن ضبطه مع وجود العديد من وسائل التواصل الاجتماعي، والأمر يعود إلى أسلوب التعبير لدى كل صحافي، ففي بعض الأحيان أسلوب التعبير عند البعض يمكن أن يكون فجّاً أو قد يتناول موضوعاً معيناً يكون من المحرمات عند البعض وخصوصاً في الأمور الدينية، التي يجب على الصحافيين على الأقل أن يأخذوها في الاعتبار ويوفّروا على أنفسهم عدم الأمان، لأنّ الصحافة اللبنانية غير محمية وليس هناك غطاء أو سقف يحميها إذ لا سلطة ولا دولة، وهذا الموضوع ينسحب على كل عمليات التعبير عن الرأي في لبنان، والصحافي أصبح مضطراً اليوم لحماية نفسه ولكن بالطبع ليس عن طريق التضحية بحرية التعبير بل عبر تغيير أسلوب تعبيره أو معرفة كيفية توجيه انتقاداته”.

شحرور: نعيش ظاهرة الافلات من العقاب

اما المسؤول الاعلامي في “مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية” (سكايز) جاد شحرور فيشير الى “أننا نعيش في بلد تحكمه الأحزاب، وهذه الأحزاب تعتبر السلطة المتحكمة بكل شيء في البلد خصوصاً الأجهزة الأمنية والقضائية، وبالتالي أي شخص يعبّر أو يتكلم بعكس مزاج هذه الأحزاب تتم مضايقته وتهديده ونشر خطاب كراهية ضده على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتم التلاعب بموضوع ما إذا كانت هذه الأحزاب هي التي توجه التهديدات بصورة مباشرة أو عبر مناصرين لها، أي تستغل الموقف عبر إبراز حجم جمهورها وأنها موجودة، وبالتالي تنشر خطاب كراهية يعزز موقفها، ومن الناحية الأخرى لا توجد محاسبة من الأجهزة الأمنية ولا الأجهزة القضائية لنصرة أي صحافي عبّر عن رأيه”.

ويشدد على أن “ظاهرة الإفلات من العقاب موجودة في البلد والدليل غياب المحاسبة عند الأجهزة الأمنية والقضائية الأمر الذي يعزز هذه الظاهرة التي أنتجت كل اغتيالات الصحافيين منذ السبعينيات إلى اليوم”.

“مؤسسة سمير قصير لديها طرق عدة تتعامل فيها مع موضوع الانتهاكات، كما يقول شحرور، موضحاً أن “المستوى الأول لدينا هو متابعة انتهاك أي صحافي عبر توثيقه والاتصال فوراً بالصحافي الذي تعرّض للتهديد، فنعمّم خبراً عن الموضوع ونأخذ اتصالاً من الصحافي لنوثّق موقفه منه، وبعدها تصبح هناك متابعة بصورة دقيقة، وفي حال تطوّر هذا التهديد نتّخذ الإجراءات اللازمة لتوفير الحماية الكافية لهذا الصحافي. وفي حال توجّه أي صحافي الى القضاء فالمؤسسة تقدّم له الدعم القانوني، وهذا ما نقوم به مع المصور الصحافي حسن شعبان الذي نحن على اتصال ومتابعة مستمرة معه”.

شارك المقال