31 تشرين الأول 2022

عاصم عبد الرحمن

لا شك أن 31 تشرين الأول 2016 يوم دخل الجنرال ميشال عون قصر بعبدا رئيساً إصلاحياً تغييرياً للجمهورية اللبنانية، وكاد يوهم الناس أنه الرئيس الوسطي المنقذ الذي سينقل لبنان إلى مرحلة بناء الدولة والمؤسسات، لن يكون كـ 31 تشرين الأول 2022 يوم سيخرج من الحكم تاركاً البلاد والعباد في حالة اهتراء غير مسبوقة في التاريخ الحديث. فكيف سينقسم اللبنانيون حول حدث انتهاء ولاية الرئيس الأكثر إثارة للجدل؟

سنواتٌ عجافٌ ست طبعت عهد الجنرال الذي تغنى بشعار التغيير والإصلاح سياسياً وانتخابياً فخلا عهده من الشعارين، حتى لبنان لم يعد قوياً منذ توليه سدة الحكم واستفراد رئيس الظل جبران باسيل بمفاصل الرئاسة كافة. والعونيون سيشعرون بالحزن والأسى ليس لرحيل الجنرال العنيد إثر انتهاء ولايته فحسب، إنما لاعتبارهم أن ساكن بيت الشعب تعرض لمؤامرة خارجية جذورها داخلية أطاحت أي إمكانية لنجاح عهده وتحقيق الإصلاح والتغيير حتى انهار لبنان القوي بين يديّْ الرئيس الأقوى الذي عرفته الجمهورية منذ إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920.

في مقابل مناحة الحزن والأسى هناك مَنْ سيحتفل برحيل عماد التعطيل والفساد والهيمنة مطلقاً يد “التيار الوطني الحر” من أجل السيطرة على مفاصل الدولة كافة، فأصابت شظايا قوة الرئيس الوطن والدستور والسياسة والاقتصاد والمال والاعلام والحرية والقضاء وغيره.

وطنياً، سيحتفل معظم اللبنانيين برحيل مَنْ دعم قانوناً انتخابياً أعاد لبنان إلى زمن الانقسام الطائفي فخلق معركة انتخابية طائفية داخل الطائفة والقرية واللائحة الواحدة. سيحتفل معظم اللبنانيين برحيل مَنْ أسقط شعار “بيّْ الكل” الوطني ليكون أباً لأبناء جلدته فحسب وسعيه لتحويل الرئاسات الثلاث إلى مناصب عشائرية.

دستورياً، سيحتفل معظم اللبنانيين برحيل مَنْ عطل الدستور مرات عدة من أجل توزير صهره وحاشيته. سيحتفل معظم اللبنانيين برحيل مَنْ تعدى على صلاحيات رئيس الحكومة بأشكال عدة أسوأها نعت شريكه في الحكم الرئيس المكلف سعد الحريري بالكذب، ضارباً عرض الحائط بخلق أعراف جديدة في تشكيل الحكومة كتاب الدستور عبر مستشاره غير السليم دستورياً.

سياسياً، سيحتفل معظم اللبنانيين برحيل مَنْ خلق شرخاً عمودياً في الممارسة السياسية والوطنية ففتحت الملفات لمن تجرأ على قول كلمة لا في وجه العهد فكانت الحياة السياسية شبه معطلة نتيجة القحط الديموقراطي الذي سادها.

اقتصادياً، سيحتفل معظم اللبنانيين برحيل مَنْ عطل عبر تكتله النيابي كل محاولات الإصلاح المطلوبة في إطار مؤتمر “سيدر” من أجل استقطاب المليارات الإنقاذية فساءت الاتصالات وزادت الكهرباء سوءاً فوق سوء.

سيحتفل معظم اللبنانيين برحيل مَنْ قضى تعنته على أموالهم وودائعهم في الوقت الذي حافظ على أمواله في مصرفه الخاص Cedrus داعياً الشعب إلى محاكمة المنظومة وحاكم مصرف لبنان وكأنه ليس رأس هذه السلطة الفاسدة.

إعلامياً، سيحتفل معظم اللبنانيين برحيل مَنْ أحرجتهم إطلالاته الإعلامية دولياً ومحلياً، وما مشهد غرقه في سبات عميق من على مقاعد لبنان في منصات الأمم المتحدة إلا مزيداً من الحرج نتيجة مشهد غير مألوف لرئيس البلاد، ناهيك عن خطاباته المسجلة والمركبة التي توجه فيها إلى الشعب وليست إلا مادة متجددة للنكات.

حرياتياً، سيحتفل معظم اللبنانيين برحيل مَنْ حاول كم الأفواه عبر قمع النشطاء والمدوّنين والإعلاميين والأحرار منعاً لقول كلمة حق في وجه سلطان جائر.

قضائياً، سيحتفل معظم اللبنانيين برحيل مَنْ عطل التشكيلات القضائية وإمكانية استقلالية القضاء وسلامته من أجل حماية قاضية البلاط غادة عون كي تستمر في خلق الملفات لكل مَنْ تسوّل له نفسه مواجهة العهد حتى بالدستور والقانون.

سيحتفل معظم اللبنانيين برحيل مَنْ عطل كل شيء من أجل شيء واحد هو توريث ولي عهده جبران باسيل حتى انفجرت ثورة 17 تشرين الأول 2019 في وجه عهد لم يترك للتغيير إمكانية وللإصلاح مجالاً حتى سقط لبنان القوي في إحدى أسوأ ثلاثة أزمات عرفها العالم.

سقط مفهوم الدولة عبر تغطية سلاح “حزب الله” غير الشرعي وتسخير المنابر الدولية للدفاع عن أحقيته وشرعنة وجوده في يد الدويلة. سقط لبنان وانهارت أحلام اللبنانيين فانطفأت آمالهم في بناء مستقبل أبنائهم، شقوا عرض البحر بحثاً عن قطعة سلام في هذا العالم فقضى معظمهم صرعى عند أعتاب وطن خطفته أوليغارشية سياسية رفعت شعار التغيير والإصلاح من أجل بناء لبنان القوي بسواعد الرئيس القوي الذي أخبرنا في نهاية المطاف أنه كان يعلم لكن “ما خلوني”.

إذا كان هناك مَنْ يؤمن بأن عهد ميشال عون تعرض لمؤامرة كونية منعته من تحقيق مشروع بناء الدولة، فما الذي منعه من التعاون مع شركاء التسوية الرئاسية التي أوصلته إلى قصر بعبدا كـ “القوات اللبنانية” وتيار “المستقبل”؟ ماذا لو تشارك السلطة والمشروع مع القوى السياسية كافة عوض فتح الجبهات الوهمية والمعارك الدونكيشوتية من أجل التفرد بالسلطة؟ ماذا لو كان فعلاً “بيّْ الكل”؟

شارك المقال