السنن الإلهية وبنو إسرائيل

السيد محمد علي الحسيني

طرح القرآن الکريم رٶية متعددة الجوانب والأبعاد للوجود والحياة، ومثلما حدّد مجموعة سنن ونواميس الکون والطبيعة، فإنه في المقابل حدّد مجموعة سنن ونواميس للحياة وللمجتمعات باعتبارها قوانين صارمة تستدعي الانتباه إليها وأخذها على محمل الجد وبعين الاعتبار، وإن هذه السنن الکونية والإنسانية على حد سواء، هي سنن إلهية وإن الإلمام بها والتمعن والتمحيص فيها تعتبر من أفضل وأسمى الوسائل والسبل لکمال العلم بالله تعالى وقدرته وصفاته وأفعاله، مثلما أنها تعتبر أقرب الطرق إليه وأقوى الآيات الدالة عليه، وأعظم العلوم التي يرتقي بها البشر في الحياة الاجتماعية المدنية، فلا تکون لهم نبراساً ومناراً تهديهم إلى سبيل الرشاد والهداية فحسب، بل تشكل معنى وکنه السعادة والقوة والثقة بالنفس على أصدق وجوهها.

القرآن يضرب الأمثال والعبر من ملحمة الصبر لدى بني إسرائيل

کثيرة ومتباينة تلك السنن التي تناولها القرآن الکريم وجعلها منهاجاً للبشرية کي تسير في ضوئه وضيائه، وهي تضع أسساً ومقومات ترشد الإنسان بصفته وبعده الاجتماعي، ذلك أن الإنسان کما نعرف کائن اجتماعي بطبعه وأقسى عقوبة له إخراجه أو إبعاده من المنظومة الاجتماعية، لذلك فإن السنن الاجتماعية هي الأکثر والأقوى تأثيراً على الإنسان، وقد طرح القرآن حياة العديد من الأمم الغابرة في آياته، لکنه رکز بصورة خاصة على بني إسرائيل – وإسرائيل هو نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (ع) – الذين واجهوا شتى صنوف العذاب والمعاناة والجوع والخوف والإرهاب والمطاردة والنفي وهم في مواجهة ظلم وطغيان وإرهاب فرعون، لکنهم صبروا وصابروا حتى تجاوزوا المحنة وحلت عليهم النعمة الإلهية بالنصر والظفر بالنبي موسى (ع):

(إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ).

قصص بني إسرائيل شعلة الأمل في زمن الظلم والطغيان

إن المعاناة والظروف الاستثنائية التي مرّ بها بنو إسرائيل والأهوال التي واجهوها والتي سلط القرآن الکريم الأضواء على جوانب عديدة منها، نبهنا القرآن الکريم أيضاً إلى النصيحة المثلى التي أسداها النبي موسى “ع” لبني إسرائيل عندما خاطبهم کما ورد في القرآن: (قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا)، وقد أخذ قومه بنصيحته واستعانوا بالله وصبروا، لذلك فإن الله سبحانه وتعالى جزاهم خيراً (وتمت کلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا)، ومن المهم أن نستلهم ونأخذ الدروس والعبر من ملحمة الصبر لدى بني إسرائيل ومن کونهم قد ساروا خلف نبيهم وفق ما ارتأته وأرادته منهم السنن الإلهية، ولذلك فإنهم نالوا الظفر وذاقوا حلاوة ثمرة ما بعد الصبر على الشدائد ونجوا بذلك من ظلم وطغيان فرعون.

الدرس الکبير الذي يمکن أخذه من قصة بني إسرائيل، هو أن الله ينصر المظلومين ويقف إلى جنبهم ضد الظالمين، لکن بشرط أن تکون هناك استعدادات من جانب المظلومين لتلقي النصر الإلهي، وأهم هذه الاستعدادات هو انتظار الفرج بصورة إيجابية أو بکلام أوضح الصبر الإيجابي الذي يعني عدم الاستسلام الکامل للظالمين، وإبقاء جذوة الأمل والإيمان بالنصر وقدوم الفرج متقدة في أعماق النفس، وإن هذا الايمان هو الذي يمهد للفرج الإلهي والانتصار على الظالمين: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)، وإن سنة الله تجري في خلقه کما هي منذ الأزل، وکما أکدت الآية الکريمة: (فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا).

 

*أمين عام المجلس الإسلامي العربي

شارك المقال