البرلمان يجدد تكليف الحريري مرتين رافضاً الإملاءات الرئاسية

وليد شقير
وليد شقير

النتيجة الرئيسية لمناقشة البرلمان رسالة الرئيس اللبناني ميشال عون التي طلب فيها تدخل المجلس النيابي بينه وبين الرئيس المكلف تأليف الحكومة موحياً بين السطور بإنهاء تكليفه، بحجة أنه “عاجز” عن تشكيل الحكومة، كانت إعادة التأكيد على تكليف الرئيس سعد الحريري، في معرض الدعوة والحث على تسريع التأليف الذي أصر عليه بري وكافة ممثلي الكتل النيابية.

في الصراع السياسي الذي يخوضه الفريق الرئاسي على طريق التمسك بالحكم وبالاستئثار بمقاليد السلطة، وسط إنكاره الكامل للمتغيرات منذ 17 تشرين الأول، لا يمل من افتعال المعارك التي تنتهي بالإخفاقات، التي تأخذ معها البلد إلى الكارثة تلو الأخرى. افتعلت رسالة رئيس الجمهورية معركة مع البرلمان بموازاة معركته مع الحريري، انتهت إلى تعميق الخلاف بحيث ابتعدت محاولة إيجاد مخارج من الفراغ الحكومي أكثر فأكثر. ولذلك يصح القول إنه مع تجديد التكليف للحريري، باتت هذه المخارج أكثر صعوبة. فعون وجه اتهامات للحريري بتعطيل الحكومة فاضطر الأخير للرد عليه معدّداً وقائع تاريخ “باعه الطويل في التعطيل” الذي يعرفه القاصي والداني والداخل والخارج والحروب العسكرية والسياسية العبثية التي اشتهر بها.

النص-الموقف الذي أنهى به الرئيس نبيه بري الجلسة النيابية أكد على هذا التكليف، على الرغم من محاولة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الإيحاء بأن ليس المطلوب سحب التكليف، في وقت هذا ما يتمناه ويحلم به ليل نهار، ولو أدى ذلك إلى مزيد من التأزيم والتدهور وتعميق الحفرة التي أوقعت سياسته ونهج العهد البلد فيها.

أكد البرلمان على التكليف مرتين، في متن النص حين ذكّر بنتيجة الاستشارات الملزمة الني أجراها عون، ثم في نهاية النص عندما حث على “المضي قدما وفق الأصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلف للوصول سريعاً الى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية”، مع ما تضمنه هذا النص من استبعاد التعديل الدستوري الذي يتيح إما سحب التكليف أو وضع مهلة للرئيس المكلف، طالب باسيل في كلمته بأن يشملها “الموقف” الذي صدر في نهاية الجلسة. صدر الموقف النيابي من دون تحديد أي مهلة، ولو سياسية، طالما يتعذر تعديل الدستور.

بقي أمام باسيل وعون كي يتخلصا من الحريري خيار آخر لوح به الأول في كلمته حين أشار إلى إمكان سحب التكليف باستقالة نواب تكتله وبالدعوة لانتخابات نيابية، الأمر الذي يؤدي دستورياً إلى وجوب تأليف حكومة جديدة بعد استشارات ملزمة من البرلمان الجديد. وهو خيار درسه الفريق الرئاسي وتقول مصادره إن “التيار الوطني الحر” يفكر باللجوء إليه. وقد يكون هذا الموضوع أحد عناوين المرحلة المقبلة في سياق النهج الدونكيشوتي الذي يسيّر حركة الفريق الرئاسي.

فتح باسيل في كلمته دستوراً على حسابه فقرر أن تتألف الحكومة على أساسه، مخترعاً بدعاً حول منهجية توزيع الحقائب على الطوائف ثم بأن تسمي الكتل النيابية الوزراء، فجعل ليس من الرئيس المكلف باش كاتب فقط، بل من رئيس رئيس الجمهورية أيضاً. وهو تكرار للوائح التي بعث بها رئيس الجمهورية إلى الحريري طالباً منه ملء الفراغات. هذا على رغم إشادته بحصر التسميات بين رئيسي الجمهورية والحكومة. فكل جملة تلفظ بها تنقضها الجملة التي تليها.

ترك بري لباسيل أن يمارس ما يكفي من الاستفزاز للنواب، مدركاً سلفاً أن أسلوبه في مخاطبتهم كاف لتبرير صد ما يريد فرضه على البرلمان. خاطبهم كعادته ادعاء المعرفة في الحديث مع وزراء ومفاوضين أجانب صارت ردة فعلهم السأم من طريقته “المدرسية” ومن “الأستذة” عليهم استخفافاً بعقولهم، وبينهم من له باع طويل (على قلتهم) في القانون والدستور وخبرة طويلة في السياسة لا تحتمل الأساليب الولّادية. بلغ الوهم لدى باسيل في أسلوبه “المدرسي” في إدلائه بمطالعته التي كررت ما جاء في رسالة عون، أن أخذ يسأل في سياق كلمته بعنجهية، أكثر من مرة: مش مظبوط؟ ومش صحيح؟ مستدرجاً تأييد ما ينطق به، فيما أكثرية الحاضرين في قاعة الهيئة العامة للبرلمان لسان حالها “لا مش مظبوط ومش صحيح”، من دون الدخول في سجال معه.

المرة الوحيدة التي وافقه فيها بري كانت حين قال إنه ليس مطروحاً سحب التكليف من الحريري، لكن موافقة بري هذه تركت الأمر ملتبساً، لأن بداية فقرة كلام باسيل أشارت إلى أن البلد مكسور ورئيس الجمهورية “مكسور”… فهل أن موافقة بري جاءت على أن الرئيس مكسور؟ ومع ذلك فإن الخطاب الباسيلي مثل نص الرسالة الرئاسية التي حاولت أن تملي على البرلمان “اتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب”، حاول التمسكن وادعاء المظلومية التي تلحق بعون فوقع في محظور جديد عندما كرر مصادرة حق البرلمان في منح الثقة أو حجبها والقول إن رئيس الجمهورية لن يوقع مرسوم التأليف إذا كان حصول حكومة الحريري على الثقة غير مضمون. وهو أمر كان الحريري موفقاً في الرد عليه.

لم يكن عن عبث أن اتفق بري مع الحريري سلفاً، على أن يكون آخر الكلام له، وأن يسبقه باسيل بدلاً من إفساح المجال للأخير أن يرد على الرئيس المكلف إذا تحدث قبله، وأن يطلب من الحريري اعتلاء منبر جلسة مناقشة رسالة عون، خلافاً لإعطائه الكلام للنواب وهم على مقاعدهم، فعامل الرئيس المكلف كرئيس للحكومة، مكرساً بذلك خياره بتأييده في تولي مهمة التأليف. ولم يكن عن عبث أن الحريري رد في كلمته على رسالة رئيس الجمهورية التي تناولته واتهمته، مؤكداً رفضه الثلث المعطل في أي حكومة واستمراره في مهمته رافضاً تشكيل حكومة على قياس فريق الرئيس، مفنداً المغالطات الدستورية والسياسية للأخير، متجاهلاً ما قاله باسيل وترك للمجلس النيابي أن يحكم “راضياً بحكمه”.

بدت أكثرية البرلمان، ما عدا نواب “التيار الحر”، منسجمة مع ما قاله الحريري حتى لو لم تعلن كل كتله ذلك، وعلى رغم أن كتلة نواب “حزب الله” آثرت الرمادية في الموقف.

لكن كل ذلك لن يقود إلى تسريع تنفيذ “الموقف” الذي صدر عن المجلس النيابي بتسريع الحكومة. فالنواب يعرفون أن مكمن العقدة عند الفريق الرئاسي، وهي ستطيل الفراغ، وتنقل معاناة اللبنانيين إلى مرحلة مأساوية جديدة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً