بري يلاقي الراعي وجنبلاط في المواصفات الرئاسية

صلاح تقي الدين

تزامنت الذكرى الرابعة والأربعين لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين مع عشية دخول لبنان في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، فاغتنمها رئيس مجلس النواب ورئيس حركة “أمل” نبيه بري مناسبة ليضع ملاحظاته على مواصفات الشخصية التي يجب انتخابها لتولي مقاليد الحكم خلفاً لرئيس “العهد القوي” ميشال عون.

وفي خطاب ألقاه في مدينة صور، قال بري: “إننا دخلنا في اليوم الأول من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية. أشجع على عقد لقاء عام يؤدي إلى اتفاق على الاستحقاقات المقبلة. سنقترع للشخصية التي تجمع ولا تطرح ولا تقسم، وللشخصية التي توحد ولا تفرق، وللشخصية المؤمنة بالثوابت القومية والوطنية وتعتقد اعتقاداً راسخاً أن اسرائيل تمثل تهديداً لوجود لبنان”.

هذه المواصفات إن التقت، فهي تلتقي مع المواصفات التي سبق للبطريرك الماروني بشارة الراعي أن طرحها في تحديده لشخصية الرئيس العتيد، وتلتقي أيضاً في بعض ملامحها مع مواصفات أعلنها رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط “الحليف اللدود” للرئيس بري، لكن السؤال المركزي هو: هل تخلّى بري عن رئيس تيار “المردة” الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية الذي كان لفترة طويلة مرشحه المفضّل للرئاسة؟

يمكن الجزم بأن الرئيس بري الذي أكّد في خطابه أن لبنان “يمر في أسوأ مرحلة في تاريخه، ولم يعد جائزاً مقاربة العناوين الداخلية على المستوى الذي يجري. لبنان ليس بخير”، أصبح رأس حربة في معركة انتخاب رئيس جديد للجمهورية يملك مشروعاً قادراً على إنقاذ البلد من “جهنم” التي أوصله إلى قعرها عهد الرئيس عون وفريقه السياسي المؤلف حصراً من الصهر الميمون رئيس “التيار الوطتي الحر” النائب جبران باسيل، ومجموعة من المستشارين أحبّ باسيل تكريمهم لإخلاصهم له، فعينّهم الواحد تلو الآخر وزراء للطاقة، وهذا ما لم يفت بري الاشارة إليه.

وقال بري: التغذية “صفر كهرباء” بحجة “ما خلونا”، ونحرم من الغاز لعدم تشكيل هيئة ناظمة للطاقة بحجة “انو غيرو القانون بدل ما يطبقوه”، وذلك بحضور وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض بين الرسميين الذي شاركوا في إحياء المناسبة.

كما من الواضح أن بري أَصبح من المقتنعين بأن المرحلة المقبلة في لبنان هي مرحلة إعادة إنماء وإعمار اقتصادية ومالية ونقدية واجتماعية قبل أن تكون مسرحاً لمعارك سياسية لا تغني ولا تسمن من جوع، فالأضرار التي خلّفها “العهد القوي” نتيجة سياسات الكيدية التي اتبعها ونهج الالغاء الذي لم يفارق مخيلته منذ ثمانينيات القرن الماضي لا تزال هي هي، لا بل استفحلت أكثر خصوصاً مع العراقيل التي راح يخترعها لتعطيل تشكيل الحكومات المتعاقبة، فأمضى لبنان أكثر من 700 يوم في هذا العهد، والعداد لا يزال يسجل أياماً إضافية، من دون حكومة فاعلة ومكتملة الصلاحيات، تحت الشعار القديم الجديد “كرمال عيون صهر الجنرال”.

لم يعد جائزاً الضرب بالميت، فهو حرام، و”العهد القوي” دخل في غيبوبته الأخيرة التي ستستمر 60 يوماً بالتمام والكمال، ولن يفيق منها، فالاجتماعات المتقطعة التي يعقدها رئيس الجمهورية ميشال عون مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، وآخرها كان أمس، لن تصل إلى خواتيم سعيدة، لأن العراقيل هي نفسها ولم تتغيّر منذ أن سلّم ميقاتي الرئيس عون تشكيلته الوزارية في 29 حزيران الماضي بعد إجرائه الاستشارات النيابية غير الملزمة.

وعلى الرغم من كل التلميحات والتي في معظمها مسرّبة، فإن قرار تشكيل الحكومة ليس نهائياً خصوصاً وأن الجدل البيزنظي المفتعل حول تمكن حكومة تصريف أعمال من استلام صلاحيات الرئيس وكالة إن شغرت لأي سبب، قد حسم استناداً الى معظم الحقوقيين والدستوريين، إذ أن المشرّع لم يشر إلى أي شكل للحكومة التي عليها أن تدير شؤون البلاد وكالة في حال شغور الموقع الدستوري الأول، وذلك كان مقصوداً على اعتبار أن المشرّع في حينه كان يتصور أن المسؤولين عن تطبيق الدستور سيكونون من رجالات الدولة، ولم يكن وارداً في بالهم ولا يجول في خاطرهم إمكان أن يكون من بين هؤلاء من هو على شاكلة باسيل.

ربما وضع الملف الحكومي على الرف في المرحلة الحالية تحضيراً للدور الكبير الذي سيكون بيد الرئيس بري، إذ أنه على الأقل سيكون مالكاً وحده لقرار دعوة مجلس النواب إلى جلسات لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو ألمح مراراً الى أنه لن يفعل ذلك قبل أن تكتمل صورة المفاوضات الداخلية الجارية للتوصل إلى اسم توافقي، وقبل أن يكمل مجلس النواب إقرار القوانين الاصلاحية التي في أدراجه. وعليه، فإن اللبنانيين اليوم يتطلعون إلى اليوم الدستوري الأهم أكان ذلك في 30 أم 31 تشرين الأول المقبل، لكي يعرفوا هوية رئيسهم المقبل الذي يأملون به خيراً لكي ينجّيهم من الشرير… آمين.

شارك المقال