موقوف قضى تحت التعذيب… دعوات للمحاسبة وتسريع “العفو العام”

راما الجراح

تُوفي الشاب بشار عبد السعود، سوري الجنسية، بين أيدي عناصر من جهاز أمن الدولة. حادثة أثارت جدلاً كبيراً، حتى شبّه العديد من الناشطين هذه الطريقة بتتلمذ الأجهزة اللبنانية على يد الأجهزة الأمنية السورية لقساوة طُرق التعذيب التي تستخدمها الأخيرة في سجونها. كانت هناك محاولات عدة للفلفة الجريمة بذريعة أن الموقوف توفي بذبحة قلبية بعدما كان قد تناول حبة “كبتاغون”، وهناك رواية أخرى أنه يتعاطى المخدرات وتوفي بسبب جرعة زائدة، ولكن الصور كشفت المستور.

ظهر الموقوف في صور سُربت إلى وسائل الإعلام في وضع مأساوي، لا وجود لزاوية في جسمه من دون تعذيب، حتى اختلط لون جلده بألوان الأحمر والأخضر والأزرق. وبعد هذا التسريب، ظهرت “خبرية” أن تهمته إرهابي، وهو قيادي في “داعش”، وحاول مهاجمة المحقق. فهل يجوز إذا كانت تهمته إرهابياً أن يخضع لكل هذا التعذيب؟ وإذا كان يخرج من غُرف التحقيق كل هذا، فماذا عن أوضاع السجون في لبنان وهل هي سبب ودافع للمطالبة بالعفو العام؟

إحترام القوانين واجب

لبنان يجب أن يحترم القوانين اللبنانية في ما يُعنى بالتوصيف ومتابعة التحقيق، وأيضاً المواثيق العربية والدولية التي تُعنى بسلامة السجناء، بحسب ما أكد الخبير في السياسات العامة زياد الصائغ، معتبراً أن “كل خروج عن هذه القوانين والمواثيق هو عملياً انتهاك للدستور اللبناني وللإرث الحضاري الخاص في لبنان، خصوصاً أنه كان مشاركاً في صياغة الشُرعة العالمية لحقوق الإنسان، وكل الممارسات يجب أن تكون موضع ملاحقة من القضاء اللبناني وأيضاً من القوى المجتمعية الحيّة لوقف أي انتهاكات تجاه حقوق الإنسان، إن كان على مستوى الأحرار (خارج السجون)، والسجناء أنفسهم، وهذا يستدعي إعادة النظر في كل مسار التوقيفات، ومسألة متابعة السجون المرتبطة بمَن يوقف مَن؟ وما هي مدة التوقيف؟ ومَن يراقب عملية الاستجواب؟ ومتى يطلق سراحه وعلى أي أساس؟ كل هذه الأسئلة هي جزء مؤسس للعمل الدستوري القانوني، وللذاكرة الوطنية الجماعية اللبنانية، بالتعامل مع المجرمين الذين يجب أن ينالوا عقابهم ضمن مسارٍ عادل من المحاكمات”.

وأشار الصائغ عبر موقع “لبنان الكبير” الى أنه “لو كان متهماً بالإرهاب أو غيره، هذه المسألة يجب أن تتعلق بالقوانين اللبنانية مرعية الإجراء، وهناك قوانين تتعلق بمكافحة الإرهاب تحديداً، وكل هذا يخضع للقضاء اللبناني، وأي تجاوز يكون في القضاء، أو أي جهاز أمني عسكري، يجب أن يخضع للمساءلة، من خلال العودة إلى القوانين المرعية الإجراء”، مطالباً بـ “فتح تحقيق في هذه القضية لا يستثني أحداً، وأن يطالب مجلس النواب بصورة واضحة بتنفيذ القوانين التي تُعنى بمسائل الاستجواب مع ضرورة أن يُنهي القضاء اللبناني هذه الملفات المتأخرة، وعدم ترك الموقوفين عند الأجهزة الأمنية، لأن مكانهم في السجون”.

نعم للمحاسبة!

“هذا الرجل ليس الوحيد الذي يتم تعذيبه عند الأجهزة اللبنانية، بل هناك كثيرون وخصوصاً إذا كانوا سوريين ومسلمين” بحسب القاضي الدكتور خالد عبدالفتاح الذي طالب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان بأن يحميا من ينتمي إلى دينهما وطائفتهما. كما طالب حكام لبنان عموماً بأن “يراعوا إنسانية الإنسان، وألا يقبلوا بأن يموت إنسان تحت التعذيب من أي طائفة كان”.

ورأى عبدالفتاح أن ما حصل “جريمة قتل موصوفة، حتى لو كما تفوه العديد من الناس بأنه متهم بالارهاب لا يحل لهم قتله، والأمر مرفوض وحتى لو كان أمير الدواعش لا يجوز تعذيبه وقتله بهذه الطريقة. هناك قانون يحاسبه، لأن مدى التعذيب الذي مُورس بحق الموقوف من الجنسية السورية كفيل بأن يجعله يعترف بأنه قتل الحسين وسيدنا يحيى إذا صح القول! الآثار على جسده تدل على أنه تعذيب وحشي، والاعترافات التي تتم تحت التعذيب لا قيمة لها”.

وطالب في ختام حديثه “ليس بتوقيف الضابط والعناصر الخمسة الذين قتلوه وحسب، بل طردهم من السلك العسكري، وسجنهم، ومحاسبتهم”، مشيراً الى أن “عملية تعذيبه ثابتة بالأدلة، والتقارير الطبية، وللأسف ليس جهاز أمن الدولة الوحيد الذي يقوم بتعذيب المساجين بصورة هستيرية، بل جميع الأجهزة تقريباً. وكان من باب الصدفة أن انتشرت قصة الأخ السوري الذي توفي بين أيدي عناصر أمن الدولة، ولو لم يمت لكان تم تعذيبه، وقُضي الأمر ولا من حسيب ولا رقيب على ذلك.”

بين معاناة السجون والعفو العام

ما يحدث خلف قضبان السجون غالباً ما يبقى هناك، لكنّ الأزمة اللبنانية جعلت الزنازين تضيق بالمساجين وبحقوقهم الأساسية. وندد أهالي الموقوفين الإسلاميين ورجال الدين وعدد من فعاليات منطقة البقاع ضمن وقفة اعتراضية عند نقطة المصنع الحدودية بسياسة التسويف التي اعتمدت بحق الموقوفين، وتحدثوا عن معاناة السجناء في السجون اللبنانية، مستنكرين حادثة الوفاة التي حصلت. واعتبروا أن “الدولة اذا لم تكن قادرة على توفير حياة تليق بإنسانية السجين فينبغي أن تبحث عن حل مناسب”.

ولفتوا الى أن “سجون لبنان لم يعد فيها لا سعة ولا طعام ولا شراب، وهي وُضعت لتأهيل السجناء لا ليموتوا من قلة العناية الصحية والغذائية”، معتبرين أن “الأوان آن لأن ينعموا بريح الحياة لأنهم في السجون سيموتون من قلة عناصر الحياة”. وقالوا: “اليوم في ظل جو الحرارة المرتفع، لم نعد نحن الأحرار نقوى على التواجد في بيوتنا، فما بالكم بـ٦٠ رجلاً في زنزانة واحدة ضيقة لا ماء فيها ولا دواء ولا حتى طعام؟. وكنا سمعنا من وزير الداخلية كلاماً رائعاً، بحيث قدّم للجهات الرسمية اقتراحات إنسانية متعددة، ينبغي أن تأخذ سيرها إلى التنفيذ، وكلنا أمل في أن يزف لنا عن قريب بُشرى إقرار قانون العفو العام”.

وأشار أحد المحامين الذي تمنى عدم ذكر اسمه لموقع “لبنان الكبير” الى أن “ما حصل فضيحة كبيرة، ويجب توقيف المشاركين في هذه الجريمة، فنحنن لسنا النظام السوري ولا يجب أن نتشبه به، ويجب على السلطة القضائية في لبنان، فتح تحقيق جدّي ومحايد للكشف عن معالم جريمة قتل الموقوف من الجنسية السورية”.

شارك المقال