“ذا غارديان”: حرب وخراب… والأسد يضمن الفوز بانتخابات زائفة

حسناء بو حرفوش

نشرت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية مقالاً وضعت فيه الفوز المضمون للرئيس السوري بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية الجارية في سياق الانتخابات الزائفة التي تهدف لإضفاء شرعية على النظام من خلال عرض ديمقراطي وهمي. وفي السطور التالية، ترجمة للمقال الموقع باسم مراسلة الصحيفة لشؤون الشرق الأوسط، بيثان ميكرينان.

“لم يساور أحد أيّ شك حول فوز الأسد بالانتخابات الرئاسية الأخيرة في العام 2014، لكن هذه الثقة لم تكتمل مع سيطرة قوى المعارضة على مدن البلاد وعلى ضواحي العاصمة دمشق. أما اليوم وبعد سبع سنوات على الجولة الأخيرة، عاد الأسد للسيطرة على معظم مناطق سوريا بعد تدخل حلفائه الروس والإيرانيين وقلبهم مجرى الحرب. ويعود السوريون الأربعاء، إلى صناديق الاقتراع، للمشاركة في عرض ديمقراطي وهمي مصمم لمنح الرئيس شرعية ظاهرية في الداخل والخارج.

في هذا السياق، يقول الباحث السوري في معهد “التحرير” لدراسات الشرق الأوسط، سهيل الغازي، إن مزاجاً مختلفاً ساد في العام 2014 وما كان رحيل الأسد بالمستحيل. ويعلم كل من غادر البلاد أن أي انقلاب عسكري لن يحصل. سيستخدم كل من النظام وروسيا الانتخابات لإثبات فوزهما، وهما يدّعيان أن سوريا آمنة لدفع اللاجئين إلى العودة، كما أن الانتخابات تشكل عاملاً لإعادة تأهيل صورة النظام بين الدول العربية وربما جامعة الدول العربية.

وحكمت عائلة الأسد سوريا منذ العام 1970، وتم تجريد البرلمان والحكومة من العديد من سلطات صنع القرار كما عمل حزب البعث على ترسيخ مكانته كزعيم للدولة وللمجتمع. وخلف بشار والده حافظ الأسد، في رئاسة البلاد بعد وفاة الأخير في العام 2000. وادعى طبيب العيون أنه يسعى لإحداث إصلاح سياسي حقيقي في البلاد، ولكن الأمر انتهى به بإلحاق وحشية أكثر من والده. وقابلت الدولة البوليسية الاحتجاجات التي اندلعت في الشوارع خلال الربيع العربي في العام 2011، بالعنف الشديد وتحولت هذه الأخيرة إلى حرب أهلية معقدة ومستعصية.

وفي الأيام الأولى للانتفاضة، دفعت حملة الحكومة القمعية بعدد كبير من المسؤولين العسكريين والحزبيين إلى الانشقاق. وعندما ظهر مستوى المعارضة عبر طبقات المجتمع السوري، اتخذت المعارضة خطوة جريئة بمقاطعة الانتخابات البرلمانية التي نظمت في العام 2013. وفي محاولة جوفاء لتهدئة الرأي العام قبيل الانتخابات الرئاسية للعام 2014، سمح النظام بإجراء انتخابات متعددة الأحزاب لأول مرة. لكن الأسد فاز بشكل غير مفاجئ بما يقرب من 90٪ من الأصوات، بعد حملة أخبر فيها أحد مرشحي المعارضة الناخبين بضرورة بقاء الرئيس الحالي في سدة الحكم.

وانطلقت الحملة الانتخابية هذا العام بعد موافقة المحكمة الدستورية العليا قبل أسبوع، على طلبات ثلاثة مرشحين من أصل 51 هم عبد الله سلوم عبد الله، عضو سابق في السلطة التشريعية السورية ومحمود أحمد ماري المشارك في محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف بالإضافة إلى الأسد نفسه. وبينما من المؤكد أن الأسد سيفوز بولاية رابعة مدتها سبع سنوات، تعهد المرشحون الثلاثة جميعًا بإعادة خمسة ملايين لاجئ إلى البلاد وبإصلاح الاقتصاد، الذي انهار العام الماضي تحت وطأة الحرب والعقوبات وفيروس كورونا. كما عبّر عبد الله عن وعد جريء بمعالجة الفساد المنهجي في سوريا.

وأصدر النظام في وقت سابق من هذا الشهر إعلان الإفراج عن أكثر من 400 من موظفي الخدمة المدنية والقضاة والمحامين والصحافيين المحتجزين خلال حملة قمع ضد المعارضة على وسائل التواصل الاجتماعي. وقرأ نشطاء حقوقيون وأحباء عشرات الآلاف من المعتقلين المفقودين حتى اليوم في سجون النظام، هذا العفو كنوع من التملق على حساب المعايير الديمقراطية قبيل عملية الاقتراع.

في هذا السياق، يعلّق سعيد عيدو، الذي يأتي من حلب ويقيم الآن في مدينة غازي عنتاب التركية: “لقد اختفى شقيقي في سجن النظام في العام 2013. لا نعرف ما إذا كان حياً أم ميتاً. لن يقدموا لنا أي معلومات. جلّ ما تفعله هذه الانتخابات الرئاسية هو تبييض الجرائم والحفاظ على الديكتاتورية. ويؤيده غازي الذي يعتبر أن الانتخابات هي أداة دعائية مفيدة للنظام. فلطالما استخدمها لإثبات ولاء الناس. وتعتبر المسيرات والتلويح باللافتات والمشاركة بأعداد كبيرة للتصويت فرصة لخلق شعور بالانتماء إلى المجتمع والأمة لدى الجيل الجديد، حيث لم يشهد شباب اليوم في سوريا أي نشاط سياسي عدا عن ذلك المرتبط بالسلاح.

ويؤكد الانهيار في قيمة الليرة السورية في أوائل العام 2020 أن حوالي 90٪ من الأشخاص المقيمين في مناطق سيطرة النظام يعانون الآن من الفقر المدقع. وعلى الرغم من عدم السماح بالانتقاد العلني لتدهور الأوضاع المعيشية، أثار هذا الوضع اضطرابات في المناطق السورية حيث قبضة النظام أقل إحكاماً. ففي السويداء ذات الغالبية الدرزية في الجنوب الغربي للبلاد، مزّقت اللوحات الإعلانية الانتخابية التي رفعت الأسبوع الماضي وقام ناشطون في المعارضة بطلاء صور الأسد باللون الأحمر في غضون ساعات.

 

وتضرب هذه الانتخابات سنوات من الجهود المدعومة من الأمم المتحدة بهدف إنهاء الحرب وتشكيل هيئة حكم انتقالية وإعادة كتابة الدستور السوري من أجل إجراء انتخابات حرة ونزيهة تخضع للرقابة الدولية. ويختم عيدو: “لقد تعاقبت حضارات وغزاة ومستعمرون على سوريا. لكن لم يبق منهم اليوم سوى أطلال الماضي والمواقع التاريخية. النظام السوري ليس موجوداً ليحكم، بل ليسرق أرزاق شعبه. ولهذا السبب، لن يطول عهده على غرار الآخرين وليس بإمكانه أن يعمّر للأبد”.

 

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً