مجزرة صبرا وشاتيلا في ذكراها الـ40… ذاكرة حُفرت بفظائع الغدر

تالا الحريري

تصادف اليوم الذكرى الأربعون لأكثر مجزرة دموية حصلت بحق الفلسطينيين وهي مجزرة صبرا وشاتيلا، حين دخلت عليهم ميليشيات مسيحية متحالفة مع اسرائيل وغدرت بهم في 16 أيلول 1982، وهي السنة نفسها التي إجتاح فيها العدو الاسرائيلي لبنان الذي كان غارقاً في الحرب الأهلية. خلال يوم واحد ذبح ما يقارب 3 آلاف شخص شكل الفلسطينيون النسبة الأكبر منهم، بينما الباقون من اللبنانيين وعدد من السوريين، في حين لم تعرف الحصيلة الحقيقية النهائية. وفرض الجيش الاسرائيلي طوقاً حول المخيمين طوال المدة التي ارتكب فيها المسلحون مجزرتهم بحق المدنيين، وفق ما كشفت تقارير إعلامية وإسرائيلية قي وقت لاحق.

لا تغيب الأشلاء والجثث المرمية في ساحة صبرا وزواريب شاتيلا عن ذاكرة الفلسطينيين الذين عاشوا هذه المأساة، ولا تزال محفورة في أذهانهم كأنها حدثت البارحة، كما بقيت رائحة الجثث والدماء لفترة طويلة تعبق في رؤوسهم وفي الشوارع التي كان من الصعب تنظيفها، اثر تكدس الجثث التي ذبحت فوق بعضها البعض. العملية كانت مدروسة ومدبرة ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم لم يحاكم أو يدان أحد، فالعدو الاسرائيلي حارب الفلسطينيين منذ زمن الجدود في دير ياسين وحتى اليوم والحبل على الجرار.

نهاد سرور شاهد عيان على المجزرة التي فقدت فيها عدداً كبيراً من عائلتها، تروي لـ”لبنان الكبير” من داخل مخيم شاتيلا تفاصيل ما حصل في ذلك اليوم: “يوم الخميس 15 أيلول، وقت المغرب، كان هناك جو خوف والعدو الاسرائيلي مسيطر على بيروت ومستعد ليدخل على المخيمات يأسر بعض الشباب على أساس ياخدهم الى أنصار متل ما عملوا بالجنوب وصيدا. انتظرنا حتى يجي الاسرائيلي، ما كان عنا شباب ولا مقاتلين لأن لما طلعت المقاومة الفلسطينية تركتنا بإيد القوى الوطنية والدولية والجيش اللبناني كأمانة… لكن للأسف غُدرنا ودُبحنا بيوم الجمعة 16 أيلول، وصلوا المسلحين فتح لهم أبوي الباب وصاروا يحكوا معه ويسألوه: إنت مقاتل؟ إنت كنت مع الفدائية؟ قال لهم لا أنا منصاب ما بقدر أحمل بارودة. كان هناك شاب أسمر وشاب أشقر، قال الأسمر للتاني صفهم على الحيط ورشهم، قلت لحالي مستحيل بني آدم عندو ذرة رحمة يعمل هيك بأطفال ما ذنبهم”.

لم تتوقع نهاد لحظة أن يرشقوا بالرصاص فعلاً، واعتبرت أنّ هذا مجرد كلام فقط لإخافتهم، لكن ضغينة تلك الميليشيات وحلفائها الاسرائيليين كانت أكبر من أن يرأفوا بأطفال رضع ونساء لا ذنب لهم. ووصفت لنا المشهد آنذاك بالقول: “رشونا وكنت أحمل أختي شادية عمرها سنة و3 أشهر، وقعت مني على الأرض ونزلت معها عملت حالي ميتة. امّي تقوصت بطلقة واحدة وما عاد سمعنا صوتها، استشهد أبوي وأخوي شادي 3 سنين، وفريد 5 سنين، ونضال 13 سنة وجارتنا ليلى. أختي سعاد انشلّت، بقي أخي ماهر واسماعيل كانوا مخبايين بالحمام قلت لهم اركضوا وما تطلعوا وراكم. بوقتها كنت انا مصابة وسعاد كمان، قلتلها تشرب من غالون المي الموجود في البيت وسكرت عليها ورحت أطلب الاسعاف. ما كنا عارفين شو عم يصير برة بس أصوات رصاص وإنفجارات. وكان في اغتصاب بس صعبة حدا يحكي بهيك أمور”.

أضافت نهاد: “تركوا جرح ما بينتسى ولا رح ينتسى ولا منسامح وناطرين العدالة والسفاح المجرم القاتل لازم يتحاسب. كل سنة بإحياء هذه الذكرى منحكي عنها ومنعلي صوتنا. وهنّي عارفين مش الفلسطيني اللي قتل بشير الجميل بس حقودين هدفهم يقتلونا، نحنا ما كنا عارفين بدهم يغدرونا والعملاء اللي فتحولهم الطريق”.

شاهد آخر إكتفى بالقول من دون ذكر إسمه: “كانوا آسرين كتير عالم وبدهم يطلعوهم على المدينة الرياضية يسلموهم لشارون (أرييل شارون رئيس وزراء اسرائيل سابقاً توفي في الـ2014). وأنا على الأرض شفت الجنود لابسين بدلات مكتوب عليها القوات اللبنانية والجميع يعلم أنّ إيلي حبيقة وجماعته هم من نفذوا العملية وسهّلوا دخول الاسرائيليين”.

بعد سنوات من وقوع المجزرة، حمّلت لجنة تحقيق رسمية إسرائيلية المسؤولية غير المباشرة عنها، الى عدد من المسؤولين الإسرائيليين بينهم وزير الدفاع في حينه أرييل شارون. كما ألقت بالمسؤولية الأساسية على إيلي حبيقة الذي كان آنذاك مسؤول الأمن في “القوات اللبنانية”، وعُرف بعلاقاته مع المسؤولين الإسرائيليين، قبل أن يتقرّب من السوريين في المراحل الأخيرة من الحرب الأهلية. وأصبح في العام 1992 وزيراً في الحكومة ونائباً. واغتيل في 24 كانون الثاني 2002 بتفجير سيارة مفخخة في الحازمية.

ورفعت مجموعة من الناجين دعوى قضائية على شارون في بلجيكا، لكن المحكمة رفضت النظر في القضية في أيلول 2003.

شارك المقال