فصل جديد في العلاقات بين روسيا والهند

حسناء بو حرفوش

لا شك في أن انفصال روسيا عن الغرب وتوثيق العلاقات مع الصين نتيجة للحرب ضد أوكرانيا سيجعل الحفاظ على شراكتها مع الهند أكثر صعوبة، وفقاً لورقة بحثية في موقع Carnegie endowment الالكتروني.

ووفقاً للمقال، تشهد العلاقات الروسية – الهندية تغيراً كبيراً، مع الإشارة إلى استنادها طوال فترة الحرب الباردة، إلى ثلاث ركائز، هي مبيعات الأسلحة السوفياتية إلى الهند؛ وتقاسم فلسفة اقتصادية ثقيلة للقطاع العام ومساعدات سوفياتية واسعة النطاق؛ والتوافق الجيوسياسي بين الاتحاد السوفياتي والهند مقابل الولايات المتحدة وباكستان والصين.

وترك سقوط الاتحاد السوفياتي وصعود الهند والصين والتوترات بين الولايات المتحدة والصين وتعميق العلاقات بين الولايات المتحدة والهند والشراكة الروسية – الصينية التي تكثفت بسبب انفصال روسيا عن الغرب والحرب ضد أوكرانيا، تأثيراً على العلاقات الروسية – الهندية. ولم تبق من بين الركائز الثلاث للعلاقة بين موسكو ونيودلهي إلا واحدة فقط: تجارة الأسلحة، بحيث لا تزال روسيا مورداً رئيساً للأسلحة إلى الهند، ولا تزال المعدات الروسية تشكل جزءاً كبيراً من هيكل القوات المسلحة الهندية؛ لكن روسيا تواجه منافسة في سوق السلاح الهندي. كما أدت رغبة الهند في تنويع إمداداتها من الأسلحة وتطوير صناعة الدفاع الخاصة بها إلى انخفاض شحنات الأسلحة الروسية إلى اليها في السنوات الأخيرة.

وأدى انفصال روسيا عن الغرب بسبب حربها ضد أوكرانيا الى تسريع وتيرة توجهها نحو الصين. ويتقلص نفوذ موسكو في مواجهة كل من نيودلهي وبكين لأن لديهما قدرات خاصة أكبر مما كانت عليه في السابق عدا عن الشركاء الجدد الذين يقدمون أكثر من روسيا. ومع ذلك، ستستمر الشراكة الروسية – الهندية، فبالنسبة الى الهند، لا تزال روسيا مورداً مهماً للأسلحة، وفي الآونة الأخيرة للنفط. ولم تنضم الهند إلى عقوبات الغرب على روسيا، وبذلك تكون قد أثبتت سياستها الخارجية المستقلة، أما بالنسبة الى روسيا، فتعد الهند سوقاً مهماً للأسلحة والنفط.

وعلى الرغم من افتراض أن موسكو تلعب دوراً ضعيفاً للغاية، سيصبح الحفاظ على العلاقات الأمنية القوية بين كل من الصين والهند أكثر صعوبة. ويطرح السؤال حول كيفية رد الصين على مبيعات الأسلحة الروسية للهند، وما الذي ستفعله روسيا إذا ضغطت عليها الصين لتقليص نسبة المبيعات.

وتتمتع روسيا والهند بتاريخ طويل من العلاقات الودية على أساس المنفعة المتبادلة. وطوال الحرب الباردة، كان للاتحاد السوفياتي بصفته قوة عظمى اليد العليا في العلاقة مع الهند، التي كانت جزءاً من مجتمع الدول “النامية”. ولكن أدى تفكك الاتحاد السوفياتي وتراجع الوضع الدولي اللاحق لروسيا إلى تغيير التوازن في العلاقة مع الهند، والتي ظهرت كقوة رئيسة تحولت من خلال الاصلاحات الاقتصادية التي بدأت في أوائل التسعينيات ووجودها العالمي المتزايد.

وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط 2022، تستعد هذه العلاقة لتحول أكبر لأربعة أسباب: سعي روسيا الى إقامة علاقات أوثق مع الصين والأهمية المتنامية للعلاقات معها بالنسبة الى روسيا مقارنة بالهند، وتضاؤل ​​أهمية روسيا بالنسبة الى أجندة السياسة الخارجية للهند والعلاقة الأمنية المتنامية بين الهند والولايات المتحدة.

(…) وستبقى عواقب حرب روسيا ضد أوكرانيا ملموسة لعقود. ففي أوروبا، حطمت الحرب بقايا المشهد الأمني ​​بعد الحرب الباردة وتسببت بانفصال تاريخي بين روسيا وبقية القارة، ودفعت منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الى إعادة تقويم وضعه الأمني ​​بصورة أساسية (…) ونمت الشراكة الروسية مع الصين بشكل أوثق مع تولي شي الرئاسة في 2013 وتشكيل رابطة شخصية بين الزعيمين. كما دفع ضم روسيا الى شبه جزيرة القرم في العام 2014 وما نتج عنه من انكماش في علاقتها مع الغرب بموسكو نحو التقرب من الصين. وبالتوازي، أصبحت العلاقات الأميركية – الصينية متوترة بصورة متزايدة مع توسع طموحات بكين. واتبعت علاقة روسيا بالهند مساراً مختلفاً، بحيث لم تتلق الهند درجة الاهتمام نفسها على أعلى مستوى مثل الصين، وذلك لعدة أسباب، مثل الجغرافيا والجغرافيا السياسية.

وبالنسبة الى روسيا، ربما بدت مهمة إدارة علاقاتها مع الصين والهند في الوقت نفسه معقدة في البداية (…) لكن من المرجح أن تصبح مهمة روسيا في إدارة الديناميكيات داخل هذا المثلث أكثر تعقيداً إلى حد كبير. ولكن أدى العدوان الروسي ضد أوكرانيا إلى تقليص مساحة المناورة الجيوسياسية بصورة كبيرة وجعلها أقرب من أي وقت مضى إلى الصين، بينما قلل أيضاً نفوذها مع بكين. لقد أصبح احتضان الصين “بلا حدود” ضرورة استراتيجية. وتثير الشراكات احتمالية حدوث تحول كبير في العلاقات الروسية – الهندية، وربما حتى إلى حد إنهاء شراكتهما الاستراتيجية القائمة منذ عقود.

ومع ذلك، أدى الجمع بين نهاية الحرب الباردة والديناميكيات في جنوب آسيا وإعادة تنظيم القوى العظمى إلى تحول كبير في العلاقة بين الهند وروسيا. ولا يزال هذا التحول مستمراً بينما تغذيه الحرب في أوكرانيا. وبينما تحافظ الهند وروسيا على علاقات ودية، تطورت أولوياتهما الجيوسياسية. نمت أهمية الشراكة مع الولايات المتحدة بالنسبة الى الهند، في حين أن روسيا تقترب أكثر من الصين. وتشير التطورات إلى أن روسيا تحاول الرد على علاقات نيودلهي الأمنية الأوثق مع واشنطن من خلال تعديل سياستها طويلة الأمد التي تتمحور حول الهند في جنوب آسيا”.

شارك المقال