يوم التحرير …. ذكرى وعبرة

راما الجراح

دخلوا قُراهم وحرروها بسواعدهم، خرجوا من المعتقل وقبّلوا الأرض حمداً وشكراً على نيلهم الحرية، عانقوا بعضهم البعض وبكوا حتى جفت دموع الحزن والشوق من عيونهم، ليلة التحرير الواقعة في ٢٥ أيار عام ٢٠٠٠ لم تغب فيها الشمس عن منطقة جنوب لبنان، بقيت شوارعها وساحاتها مُزيّنة بالأضواء وصيحات الانتصار، كانت كل زاوية فيها تحاكي رواية أبطال صمدوا في وجه العدو وتعلق مصيرهم بين الشهادة والحرية.

يعود أبو مازن بالذاكرة في حديث لـــ”لبنان الكبير” إلى عام ٢٠٠٠ حين حرر أهل الجنوب أرضهم من المحتل قائلاً: “ولدت في بلدة كونين التي جابهت العدو وبقيت صامدة أمام العدوان الحاقد الذي لم يعرف كبيراً ولا صغيراً، كنت شاهداً على تدمير بيوتنا، على تعذيبنا وتهجيرنا، ولكننا بإيماننا وصبرنا لم نستسلم، نحن أبناء هذه القرية المعروفة بعملية الأسيرين، التي قام بها الشهيد المقاوم سمير مطوط عام ١٩٨٥، حيث خطف جنديين إسرائيليين واعتبرت هذه العملية من أشهر العمليات العسكرية في تاريخ المقاومة، وبعد كل هذه الأحداث الأليمة التي مرت علينا في بلدتنا، كان طعم التحرر عندنا منكهاً بأصوات الزغاريد والساحات المضيئة والمليئة بأهالي القرية المحتفلين بنصرهم على عدوهم بعد سنوات من القتل والدمار والانتظار”.

عن النقطة الأهم في الذكرى الـ ٢١ لتحرير الجنوب اللبناني، اعتبر أن “تحرير كل مناطق الجنوب توضع في كفّة ومعتقل الخيام يوضع في الكفّة المقابلة لوحده ويقول: “لا نستطيع الرجوع في الذاكرة إلى يوم التحرير دون أن نستذكر هذا المعتقل، الذي حاول الكثيرون حل لغزه واسكتشافه، ولم يكتشفه أحد بالطريقة الصحيحة إلا مَن قبع خلف قضبانه، كنت من بين الذين دخلوا معتقل الموت هذا، وضعوني في الزنزانة رقم ١٥ لفترة طويلة حفرت اسمي على جدرانها، كلما علت وتيرة التعذيب كلما كان يزداد داخلي الحماس بالصمود أكثر، كانوا يستخدمون أساليب تعذيب متنوعة، أذكر جيداً ذاك الحبل المتين الذي عُلق به مئات الشباب وكانوا يُجلدون لساعات منهم من يلقى حتفه معلقاً ومنهم من تمنوا الموت من شدة الآلام، وكانوا يعتمدون أسلوبهم مع الجميع أسلوب الضغط للإقناع بمبدأ العمالة وكانوا يهددوننا بأفراد عائلتنا أمهاتنا أو زوجاتنا، والجميع يعرف أن معتقل الخيام أخرج العميل والشهيد والمعتقل البريء”.

أما أم محمد الجنوبية المتزوجة إلى قرية من قرى البقاع، برغم كبر سنها لا تزال روح المقاومة متغلغلة في داخلها لكثرة ما عانت في صباها من ظلم وقهر العدو المحتل، تروي لنا بعضاً من الأحداث التي استطاعت أن تتذكرها “في هذه الذكرى تختلط مشاعر الفرح مع دموع الأسى والحسرة، أذكر عندما عزمنا على رؤية قرانا المحتلة في الجنوب وبينما سمعنا اخباراً عن انسحاب الجيش الإسرائيلي، سارعنا إلى اقتحام المناطق المحتلة، كما فعل الفلسطينيون البارحة في الأقصى، تجاوزنا القوات الدولية ودخلنا إلى قرية حولا الجنوبية وكان أمراً أشبه بالمعجزة. لم يصدق اللبنانيون ذلك لولا تأكدهم من الخبر عبر الراديو، وتمكن الجنوبيون من الدخول إلى قرى الطيبة والقنطرة وكونين وبنت جبيل والغندورية والعديسة وكفركلا والخيام وغيرها”..

وتلفت إلى أن تحرير الجنوب المحتل حصل، لكن بعدما روى مئات الشهداء بدمائهم أرضنا، وبعدما تساقطت آلاف القذائف على رؤوس أهلنا، بعدما اكتشفنا عدداً لا يستهان به من العملاء بيننا، يتّموا أولادنا وازدادت أعداد الآرامل بيننا ولكننا لم ولن نستسلم، كما فلسطين وأهلها، صامدون بوجه هذا العدو سنحافظ على هذا الهدف، وقطعنا عهداً على أنفسنا أن ندافع عن أرضنا بوجههم حتى الرمق الأخير”.

تحرير الأرض انتصار، تذوق طعمه لبنان عام ٢٠٠٠، واليوم بعد ٢١ عاماً كم نحن متعشطون للتحرر من الفساد، لنحقق الحلم وينتصر الوطن من جديد.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً