نصر الله مغتاظ من التقارب بين بغداد والرياض

علي البغدادي

لم يتمكن الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله من اخفاء انزعاجه الشديد من التقارب العراقي – السعودي عندما عبرت لغة جسده عن انفعال كبير واضطراب في التعابير ونبرة صوت تشي بفقدان السيطرة على أعصابه بكيل الاتهامات الى العراقيين والطعن بسيادتهم وحقهم في البحث عن مصالح بلادهم مع الدول الأخرى.

حاول نصر الله من خلال هجومه على المملكة العربية السعودية تبييض صفحة ايران ونظامها الذي يمارس القتل والاعتقال واسعي النطاق ضد الشعب المنتفض على سياسات نظام الولي الفقيه في التضييق على الحريات وكبت التعبير عن الرأي على وقع التظاهرات المستمرة عقب مقتل الشابة مهسا أميني. وبلغة الوصي على الشعب العراقي، قال نصر الله: “يجب أن أخص الشعب العراقي بأن التحريض الدائم على ايران وتقديم الشعب الإيراني كعدو لشعوب المنطقة خطة أميركية استكبارية لتمزيق صفوف هذه الأمة، فان ايران لا تريد شيئاً من الشعب العراقي، وتبذل من إمكاناتها بل من دماء كبارها وشبابها لأجل أن يكون شعب العراق آمناً سليماً حراً عزيزاً كريماً”. وفات نصر الله أن العراقيين قدموا تضحيات كبيرة في مواجهة تنظيم “داعش” المتطرف في وقت كان ل “حزب الله” تفاهمات معلنة مع قياديي التنظيم الارهابي تمثلت في نقل مسلحيه بباصات مؤمنة من مناطق حدودية لبنانية الى مناطق قرب الحدود مع العراق، وهو ما أثار غضب حكومة حيدر العبادي اَنذاك. كما يتجاهل نصر الله أن ايران ومنذ أيام قليلة سلطت صواريخها وطائراتها المسيرة على مناطق عراقية في اقليم كردستان أوقعت عشرات المدنيين بينهم نساء حوامل وأطفال الى جانب قطع المياه والغاز الطبيعي بين حين واَخر.

وجاء غضب الأمين العام لـ”حزب الله” من نفور العراقيين الواضح من ايران وسياساتها في المنطقة وانفتاحهم على الرياض والمحيط العربي عموماً، متزامناً مع الذكرى الثالثة لانتفاضة تشرين التي عبرت عن وعي عراقي وطني برفض الهيمنة والنفوذ الايراني الذي تجسد في تورط قيادات ايرانية ودعمها لميليشيات موالية لها بقتل أكثر من 800 شاب وشابة واصابة نحو 20 ألفاً اَخرين بجروح خلال قمع احتجاجات تشرين في العام 2019 الى جانب رفض التدخلات الايرانية في صوغ شكل الحكومات العراقية المتعاقبة وتحديد سياساتها والتأثير على الواقع القائم في العراق.

ولجأ الأمين العام لـ”حزب الله” الى كيل الشتائم للساسة والشعب العراقي عموماً عندما تساءل مستغرباً “كيف يمكن لأناس طبيعيين أن ينظروا بعين الود والمحبة الى السعودية”، التي اتهمها ب “دعم الارهاب” مقابل “العداء للجمهورية الاسلامية التي فعلت كل شيء من أجل العراق” في محاولة منه لاذكاء نار الكراهية والفتنة التي أطفأها وعي العراقيين والسعوديين الى مخاطر الدور الايراني والبحث عما يجمعهم من مشتركات كثيرة، من بينها المصالح المشتركة وضرورة طي صفحة الماضي وعدم الالتفات الى أصوات التشدد والتطرف التي تم لجمها من جانب الرياض، بينما بقيت أصوات أخرى يغيظها التقارب بين بغداد والرياض.

ويبدو أن نصر الله لم يتحمل بل اغتاظ من ارتياح رئيس “تيار الحكمة” السيد عمار الحكيم أحد أطراف الاطار التنسيقي المقرب لايران من نتائج زيارته الى السعودية قبل أسابيع واجتماعاته مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان واشادته بالتطور الذي تشهده السعودية في مختلف المجالات وارتفاع منسوب التعاون الاقتصادي والتواصل الاجتماعي بين الشعبين، الى جانب ما تشهده العلاقات في أكثر من مجال من تنسيق وتعاون دائم وهذا ما دفع بالأمين العام ل”حزب الله” الى اطلاق مواقف تصعيدية لوضع العراقيل أمام الانفتاح السعودي على العراق، وهو ما قد يكون نهجاً مستقبلياً لحكومة الاطار التنسيقي المتوقع تشكيلها، الأمر الذي يعكس امتعاضاً ايرانياً من طبيعة العلاقة بين بغداد والرياض ورغبة في ممارسة الضغوط السياسية على الرغم من الدور العراقي في تأمين طاولة حوار ايرانية – سعودية في العراق لتهدئة الأجواء في الشرق الأوسط.

ولاقت تصريحات نصر الله اعتراضاً ورفضاً واسعين من العراقيين وخصوصاً الأكاديميين والاعلاميين والناشطين وشرائح متنوعة الذين عبروا من خلال مواقع التواصل عن رفضهم وتنديدهم بالتدخل في الشأن الداخلي للعراق الذي التزمت الحكومة فيه والسياسيون الصمت حيال ما أطلقه زعيم “حزب الله” من مواقف.

ويرى المحلل السياسي العراقي رعد هاشم أن “تصريحات نصر الله تعتبر محاولة مكشوفة لتعطيل أي تحسن أو تقارب في العلاقات العراقية – السعودية”.

ويضيف هاشم: “ان ايران وأدواتها يعملون على إحباط أي تقارب بين الرياض وبغداد قد يجعلهم يخسرون كونهم يجدون أن هذا التحسن يضر بالمصالح الايرانية لأنهم يريدون من العراق تسخير خيراته بثرواته وعلاقاته لايران فقط”. ويشير الى أن “المصلحة العقائدية هي التي تجمع هذه الأطراف وتعمل على تعزيزها وتخشى من الضياع أو التأثير عليها أو تعطيلها”.

ويلفت المحلل السياسي الى أن “نصر الله منزعج جداً من الانفتاح بين العراق والسعودية ويتهم العراقيين بالتنكر لايران ودورها في المعارك ضد داعش، وهو دعم لم يكن مجانياً وانما بأموال العراقيين بحيث دفعت مبالغ نقدية باعتراف حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي الأسبق وقادة عراقيين آخرين، كما أن الأسلحة والذخيرة دفعت أثمانها الحكومة العراقية، وما طرحه نصر الله يعتبر مسيئاً ويمس كرامة العراقيين”.

ويبدي المحلل العراقي حذراً شديداً من نهج أي حكومة جديدة يشكلها الاطار التنسيقي تجاه المملكة العربية السعودية، قائلاً: “بالتأكيد ان تشكيل الحكومة الاطارية سيجعل نهجها المستقبلي واضحاً في عرقلة العلاقات بين العراق والسعودية وسيؤدي الى توغل إيران أكثر فأكثر في الشأن العراقي”.

ويرى أن “ايران تدفع بأحد وكلائها الى التصريح ضد السعودية فهي لا تريد التصريح بصورة مباشرة، وعلى هذا الأساس كان نصر الله خير وكيل لإيران يعبر عن وجهة نظرها، فهي لا تريد أن تخسر ما تحقق ولو بصورة طفيفة من تحسن وانفتاح في العلاقات مع السعودية، لكنها تنفس عن امتعاضها وانزعاجها من تحسن العلاقات بين بغداد والرياض بدفع وكلائها الى التعبير بالنيابة عنها ضمن إطار الدفاع عن إيران ومصالحها في العراق والمنطقة”.

شارك المقال