اتفاق الترسيم Original ولا يمت الى القانون بصلة

هيام طوق
هيام طوق

بعد أن وضع الجانب اللبناني ملاحظاته على المقترح الاسرائيلي، والتي هي بحسب المعنيين ملاحظات تقنية واستفسارية حول بعض النقاط التي ليس من المنتظر أن تؤثر على الجو الايجابي المحيط بالملف، يتوقع لبنان تسلمه الرد الاسرائيلي النهائي خلال أيام قليلة خصوصاً أن نائب رئيس مجلس النواب النائب الياس بو صعب أكد أنه “إذا أُخذ بالملاحظات كما اتفقنا عليها، نتكلّم عن أيّام للتوقيع وليس أسابيع”.

واذا سلمنا جدلاً أن الأمور ستسير وفق التوقعات، الا أن آلية التعاطي القانونية مع الملف لا تزال ضبابية خصوصاً أن كل المسؤولين والمعنيين يؤكدون أن لبنان لا يعترف بالعدو الاسرائيلي، وبالتالي، لا يوقّع على معاهدة أو اتفاق معه، والوسيط الأميركي كان حريصاً من هذه الناحية بحيث هناك ترتيبات للتوقيع ما يعني أن الاتفاق على الترسيم الحدودي لا يسري عليه مفعول المادة 52 من الدستور التي تقول: “يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وابرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة ولا تصبح مبرمة الا بعد موافقة مجلس الوزراء، وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن ابرامها الا بعد موافقة مجلس النواب”.

أما لناحية العدو الاسرائيلي، فقد قررت المحكمة العليا، النظر في الاستئناف ضد الاتفاق المحتمل مع لبنان، ومنحت ممثل الادعاء، فرصة لتقديم رد الدولة بشأن اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان حتى موعد أقصاه يوم الخميس 27 تشرين الأول الجاري، في وقت أعلن رئيس الحكومة الاسرائيلية الأسبق بنيامين نتنياهو أن الحكومة اليمينية التي ينوي تشكيلها في حال عاد إلى السلطة، ستعمل على إلغاء أي اتفاق مع لبنان ولن تكون ملزمة به ما قد يهدد مصيره.

على أي حال، اذا وافقت اسرائيل على ملاحظات لبنان، فلا بد من أن يذهب وفد لبناني الى الناقورة للتوقيع على الصيغة النهائية للترسيم البحري بحضور الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، وإرساله الى الأمم المتحدة كرسالة وليس كإتفاق أو معاهدة بين دولتين التي تحتاج الى توقيع رئيس الجمهورية حتى أن بعض القانونيين اعتبروا أن لا صفة قانونية لمثل هذه الرسالة.

وفي هذا الاطار، أشار الوزير السابق رشيد درباس الى “أننا لا نعرف الآلية التي ستعتمد في التوقيع لكن من الممكن أن يحصل الاتفاق من خلال تواجد فريقين لبناني واسرائيلي في الناقورة بحضور الوسيط الأميركي أو من خلال تبادل التوقيع بواسطة الوسيط من دون حضور الفريقين الى الناقورة”، لافتاً الى أن “ما يجري اليوم بين البلدين يمكن تسميته توافقاً برعاية دولية من أجل تسهيل التنقيب عن النفط والغاز وأن كل طرف يعرف حدوده”.

وقال درباس في حديث لـ “لبنان الكبير”: “عندما يحصل التوافق السياسي على مثل هذه القضايا التي من شأنها نقل الحالة الاقتصادية من اليأس الكامل الى الأمل، يرضى الجميع عن الصيغة التي ستعتمد في الترسيم خصوصاً أن لبنان لن يتورط بتوقيع مشترك مع اسرائيل، ولا يمكن القول اننا نفرط بمبدأ عدم اعترافنا باسرائيل”.

أما الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر، فاعتبر أن “كل ما حصل في ملف الترسيم منذ البداية الى اليوم مخالف للقانون ولأحكام الدستور”، متسائلاً: “كيف ينقص 15 في المئة من حدودنا باتفاق سري؟ هذا لم يحصل سابقاً الا خلال اتفاق القاهرة حين تنازلنا عن سيادتنا وتركنا الاتفاق سرياً ولم نعرضه على مجلس النواب. هنا يحصل الشيء نفسه، لا نفهم لماذا هم خائفون من مصارحة الناس مع العلم أن المصارحة واجب .”

ورأى أن “الآلية التي تتبع original اليوم يحاولون التحايل اذ يقولون اننا نوقع على اتفاقية لكن بصورة منفردة أي لبنان يوقع على نسخة واسرائيل على نسخة أخرى ثم لا يطلعوا الشعب عليها. ابرام الاتفاق ملتوٍ، ولا يتوافق مع ابرام الاتفاقيات الدولية التي تكون مبدئياً خاضعة للمجلس النيابي اذا كانت ترتب أعباء مالية على الدولة أو لا يمكن فسخها سنة فسنة. فكيف باتفاق ينتقص من الأراضي اللبنانية لم يمر على المجلس النيابي ولم يطلع عليه الشعب؟ انه شبه اتفاق، لكنه ليس اتفاقاً بالمعنى القانوني على الرغم من أن هناك البعض يريد التبرير ويقول عنزة ولو طارت. هل نجد اتفاقاً بين دولتين كالاتفاق الذي يحصل اليوم؟ أبداً. وفي الخلاصة نقول ان الاتفاق لا يمت لا الى القانون ولا الى أحكام الدستور بصلة”.

وأوضح رئيس مركز “ليبرتي للدراسات القانونية والدستورية” محمد زكور أن “ما يجري بين لبنان واسرائيل ليس اتفاقاً وليس معاهدة والا لكانت تتطلب موافقة مجلس النواب، وهذا واضح من خلال كلام بو صعب حين قال: لا نوقّع على معاهدة أو على اتفاق مع العدو الاسرائيلي. السيناريو المتوقع أن تصدر الحكومة مرسوماً على غرار المرسوم 6433 عام 2011، وترسله الى الأمم المتحدة، كذلك تفعل اسرائيل. انها تخريجة على الطريقة اللبنانية”، مشيراً الى أن “قانون البحار يقول ان كل دولة ترسل ترسيمها الى الأمم المتحدة، لكن لا تلزم الدولة الأخرى بهذا الترسيم. وفي الحالة بين لبنان واسرائيل اليوم كأن هناك اتفاقاً لكن من دون توقيع بصفة رسمية. وبالتالي، اذا اعترفت كل دولة من الدولتين بحدودها وأرسلتها الى الأمم المتحدة، يصبح كأن هناك توافقاً على الترسيم.”

وأكد أنه “اذا طالبت اسرائيل برفع التمثيل في التوقيع، يمكن للبنان عدم الاستجابة لذلك، وهو أساساً غير مستجيب لأنه يجري مفاوضات غير مباشرة”.

أضاف: “ليس في اسرائيل ثمة دستور مكتوب، وذلك يعود الى العام 1948 حين رفض رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون أن يكون هناك دستور مكتوب انما هناك قوانين أساس عددها حتى اليوم 13 قانوناً أساساً. والمحكمة الاتحادية العليا مهمتها ابطال أي قرار يصدر عن الكنيست يكون مخالفاً للقوانين الأساس. اما القرارات التي تصدر عن الحكومة، فليس من سلطة للمحكمة الاتحادية على ابطالها خصوصاً أن الحكومة الحالية تصدر مراسيم لا تتعلق بمخالفة أي قانون من قوانين الأساس. اما ما يمكن أن يفعله نتنياهو في حال أراد أن ينفذ تهديده بإلغاء هذا المرسوم، فلا يمكن أخذه على محمل الجدية بل نضعه في اطار التهويل الاعلامي لكسب أصوات اليمين، وجلّ ما يمكن أن يفعله في المستقبل ارسال مرسوم ليعدل المرسوم المنتظر توقيعه من الحكومة الحالية، بتعديل هذا المرسوم. الا أن ثمة ضمانات دولية للبنان بعدم تراجع اسرائيل عن الاتفاق لاسيما وأن الأمر يتعلق بمصالح دول كبرى في أوروبا، الأمر الذي يعلمه نتنياهو جيداً”.

شارك المقال