الرئيس اللبناني… تسويات خارجية تعكس العجز الداخلي

هيام طوق
هيام طوق

تجمع غالبية المراقبين للوضع اللبناني الداخلي على أن الاستحقاق الرئاسي في مهب الشغور الذي ربما يستمر لأشهر، اذ أن لا أكثرية في البرلمان يمكنها ايصال أي شخصية الى القصر الجمهوري، وكل المؤشرات تدل على أن الجلسة الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري في الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الخميس في 13 تشرين الأول الجاري ستكون شبيهة بالجلسة الأولى مع بعض التعديلات لناحية الزيادة في عدد الأصوات الذي قد يحصل عليه النائب ميشال معوض، لكن ليس متوقعاً إحداث أي خرق أو مفاجأة يمكن أن تؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية على الرغم من أن قوى المعارضة تواصل مساعيها الحثيثة ومباحثاتها ولقاءاتها للتنسيق في هذا الشأن، لكن لا توافق حول اسم حتى الساعة يمكن أن يقلب المعادلة السياسية القائمة.

وفيما يعتبر كثيرون أن رئيس جمهورية لبنان هو نتاج التطورات الاقليمية والدولية، بمعنى آخر نتاج التسويات والتفاهمات الكبرى خصوصاً في ظل ما يحصل اليوم على صعيد المنطقة من مفاوضات ونقاشات اضافة الى الاضطرابات الداخلية في عدد من البلدان ومنها ايران والعراق التي تنعكس اما سلباً أو ايجاباً على انتخاب الرئيس، يقلل آخرون من تأثير الخارج على الاستحقاقات الدستورية اللبنانية على اعتبار أن الدول العظمى لديها مصالحها وصفقاتها، وتضغط في قضايا استراتيجية أهم بالنسبة اليها، ما يعني أن سبب العرقلة في انتخاب الرئيس هو الخلاف السياسي الداخلي بصورة أساسية.

في هذا الوقت، يتحدث البعض عن التحضير لطاولة حوار بين اللبنانيين بعد 31 تشرين الأول بمبادرة سويسرية، الا أن المحللين يقللون من أهمية هذه المبادرة التي لا يمكن التعويل عليها لأن ليس مثل هذه المبادرات التي تقرر الحل من عدمه، وليست هي التي تقرر المسار ومصير الاستحقاقات.

وفي هذا الاطار، رأى النائب السابق فارس سعيد أن “من ينتظر حزب الله للافراج عن رئاسة الجمهورية سينتظر طويلاً لأن الساعة التي في يده ليست ساعة لبنانية انما ايرانية، ومتى شاءت ايران وليس الحزب أو المصلحة اللبنانية، سيكون هناك رئيس للجمهورية. اذا تعذرت المفاوضات مع الولايات المتحدة فلن يكون هناك رئيس، واذا وصلت المفاوضات بين ايران والولايات المتحدة الى خواتيم سعيدة فسينتج عنها رئيس تسوية بينهما. وبالتالي، الكلام عن أن هناك قوى سياسية تنتظر أو تطلب أو تتمنى على حزب الله الافراج عن الرئيس، يؤكد عجز هذه القوى عن ابتكار مشروع لبناني لرئاسة الجمهورية في مواجهة المشروع الايراني لرئاسة الجمهورية”.

وأشار الى أن “من يعوّل على طاولة حوار في الخارج لانتخاب رئيس، يؤكد مرة أخرى عجز القوى السياسية عن ابتكار مشروع لبناني بمواصفات لبنانية لمواجهة المشروع الايراني في رئاسة الجمهورية. هناك من ينتظر، وهناك من يتمنى على الحزب، وهناك من يريد الحوار معه، وهناك من يريد طاولة حوار في عاصمة أوروبية ما، لكن من هم الذين يبادرون على مساحة لبنان من أجل اعادة تكوين وسط لبناني وطني يواجه المشروع الايراني في لبنان؟”.

اما الخبير العسكري العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر فاعتبر أن “التطورات الخارجية لها انعكاسات طفيفة على الاستحقاقات الدستورية، لكن الأسباب الأساسية للشغور الرئاسي هي الخلافات السياسية الداخلية حول من يحكم لبنان، ما هو تأثير المفاوضات النووية على الاستحقاق الرئاسي؟ لماذا نرتبط به؟ لا أميركا ولا ايران تريد ربط قضايانا بهذه المفاوضات لأننا لا نؤثر على مسارها. المؤثر هو دولة اسرائيل ومصالحها الاستراتيجية والى حد ما الأمن العربي اذا كانت الولايات المتحدة لا تزال مهتمة بأمن دول الخليج. وبالتالي، لا علاقة لنا لا من قريب ولا من بعيد بأي استحقاق اقليمي كبير بحيث أن العلاقات بين الدول لن تتأثر بالواقع اللبناني”.

وشدد على أن “الأسباب المباشرة لتأخير الاستحقاق الرئاسي تكمن في الخلاف على الحصص ومن يحكم لبنان وما هي حصة كل فريق في التعيينات وفي سرقة ما يتوافر من المال العام أو من المصالح الاستراتيجية الخاصة بلبنان”، لافتاً الى أن “حزب الله يفتش اليوم عن طريقة يغطي فيها هذا النقص الحاصل في عدد النواب في الكتل التابعة له، ولم يجد بعد هذه الطريقة لاسترجاع المعادلة لصالحه، ويدرك أن هناك أكثر من 65 نائباً قد يشكلون قوى لا تصطف في محوره، وهذه القوى في الجلسة الثانية قادرة على أن تنتخب رئيساً لا يصب في هذا المحور”.

ورأى أن “ايران لا يمكنها الضغط على أميركا في الملف اللبناني لأن الأخيرة لن تخسر شيئاً ان كان هناك رئيس أو شغور. ومن دون شك الغرب يتطلع الى أن يكون هناك رئيس للجمهورية في لبنان، لكن هذا لن يؤثر في مسار التفاوض والعلاقات بين الدول التي لديها أسباب استراتيجية أهم بكثير من لبنان خصوصاً بالنسبة الى أميركا ومفاوضاتها النووية، والتي يمكنها الضغط في اليمن وفي العراق”.

وقال الكاتب والمحلل السياسي علي الأمين: “لا شك في أن ما يتحكم بخيارات حزب الله خصوصاً في ما يتعلق بالاستحقاقات الكبرى كإنتخاب رئيس الجمهورية، حسابات متعددة، ومنها الحسابات الاقليمية. وهنا السؤال: في أي سياق تأتي التسوية الداخلية؟ هل تأتي في سياق تفاهم دولي – اقليمي، تفاهم أميركي – ايراني؟ ما نراه اليوم على الأقل بما يتصل بملف الترسيم البحري أن هناك نوعاً من التنسيق أو التكامل الايراني – الأميركي، على الرغم من عدم اعلان ذلك، لكن من المؤكد أن الترسيم لن يحصل من دون التفاهم بين أميركا وايران. اذا نجح الترسيم فسينعكس بشكل أو بآخر ايجاباً على موضوع رئاسة الجمهورية في لبنان بحيث تقول المنظومة الحاكمة للأميركيين والاسرائيليين: نعطيكم ما تريدون شرط بقائنا في الحكم. وهكذا تستفيد السلطة من الترسيم لتحصيل المزيد من النفوذ والثروة، وابعاد شبح العقوبات عن بعض السياسيين”.

أضاف: “القرار الأساس المؤثر في المعادلة اللبنانية هو القرار الايراني والأميركي والفرنسي والاسرائيلي بنسبة معينة والدور العربي والخليجي بشكل أساس. وهنا نسأل: في حال حصل التفاهم الايراني – الأميركي، هل يمكن أن يؤدي ذلك الى نوع من ادارة الظهر للدور العربي؟ انها اشكالية يجب توقعها. ما نراه اليوم حتى في الانتفاضة داخل ايران، أن الاميركيين لم يتخذوا أي اجراء جدي لدعم الشعب، وليسوا متفاعلين فعلياً مع الانتفاضة، وهذا يدل على أن هناك حاجة الى ايران والى هذا النظام، ويمكن أن نقول ان الترسيم اليوم بمثابة اختبار لما يمكن أن يكون عليه الحال في رئاسة الجمهورية. اذا حصل التوقيع على الترسيم، فنتوقع شيئاً شبيهاً في الملف الرئاسي. حزب الله لا يهمه شخص الرئيس انما الوضعية القائمة، وكيف يمكن الحفاظ عليها، وأن لا تكون عرضة للتهديد. اذاً، التسوية هنا تحصل بحيث أن الشخص الذي سيصل الى سدة الرئاسة يأتي لتنفيذ اتفاق وتفاهم”.

شارك المقال