هل فعلاً اقترب تحرير فلسطين؟

زاهر أبو حمدة

ارتفعت معنويات الشعب الفلسطيني. “سقف الثقة عال” جداً. وبالتالي أعادوا رفع شعار “من البحر إلى النهر”. هذا جميل ومفيد في الحرب المستمرة منذ أكثر من قرن مع مشروع الاحتلال. لكن هل تحرير فلسطين، كل فلسطين اقترب؟ يعتمد البعض على نبوءات لرجال دين، معتمدين اسقاط “حساب الجمل” على القرآن الكريم. وأعُيد نشر مقاطع لكلام الشيخ بسام جرار، الذي يتوقع زوال إسرائيل عام 2022، إضافة إلى كلام الشيخ أحمد ياسين، المتوقع نهاية الاحتلال عام 2027، وخطاب المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي يعطي 25 عاماً كحد أقصى لنهاية إسرائيل.

وبعيداً عن العواطف الرغبوية الشعبوية، يمكن التيقن بزوال الاحتلال باعتبار أن أي استعمار له نقطة ابتداء وكذلك نقطة انتهاء. أما حسم الأمر بناء على أمنيات وخطابات وشعارات، يمكن أن يكون مردوده قاسياً جداً إذا لم تتحقق النبوءة. فعلى أقل تقدير سيشك الجمهور بقدرة المقاومة وكذلك بالخطاب الديني. وهذا ما حصل مع الزعيم جمال عبد الناصر بعد نكسة عام 1967، فالخطاب الثوري القومي معززاً بالقوة والهيبة اصطدم بأرض الواقع، فكانت النتيجة ارتداد جمهور واسع عن الخط القومي.

في المقابل، هناك دراسات عالمية تتوقع زوال إسرائيل عن الخارطة السياسية للشرق الأوسط. ففي دراسة أعدها مركز “الدراسات الاستراتيجية والتقنية الروسي المستقل” في موسكو، عام 2002، يتوقع أن يواجه المشروع الاستيطاني في فلسطين الانهيار خلال عشرين عاماً، يعني العام المقبل. تستنتج الدراسة أن إسرائيل ستصبح ذكرى لرفض الفلسطينيين والعرب لها ولاعتمادها على القوّة العسكرية فقط وفقدانها الدعم الدولي. وهنا النقطة الأهم، فإسرائيل قامت ككيان سياسي بعد منحه الشرعية الدولية باعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والدول المنتصرة في الحرب العالمية. وحين يُرفع الغطاء الدولي عن إسرائيل، تكون نقطة التحول الجوهرية في الصراع لاسيما وأنها مرفوضة في المنطقة. وهذا ما يؤكّده المؤرّخ البريطاني أرنولد توينبي: إنه “على الرغم من سيطرة إسرائيل على أراضٍ عربية كثيرة في عام 1967 فإنها لن تعيش طويلاً لأنها مجتمع شاذّ ودولة غريبة ترفضها الأرض والشعوب حولها. إسرائيل ترفض نفسها وتشجّع العرب والعالم على أن يتّحدوا ضدّها اليوم أو غداً حتى يلفظوها، فإذا انقرضت فلن يكون العرب هم مَن فعلوا ذلك ولكنّها إسرائيل نفسها”.

يشبه مصير إسرائيل مصير الممالك اللاتينية التي أقامها الصليبيون إبّان احتلالهم فلسطين. وهي نفسها الممالك الصليبية المتواجدة سابقاً في بلاد الشام. كل هذه الممالك كان مصيرها مرهوناً برغبة أوروبا في إبقائها ضمن الحفاظ على مشروعها الاستعماري. ومهمّة بقائها تحتاج إلى إمداد بشري ومادي. تلك الممالك انهارت وانتهت بعدما تجاهلتها أوروبا ولم تعد تهتم بها وانشغلت بشؤونها الداخلية. ينسحب السيناريو التاريخي بحذافيره على مصير إسرائيل. هي لا تستطيع البقاء من دون الدعم الغربي والأميركي. وهذا الدعم يتقلص مع السياسات الاستيطانية والعدوانية الإسرائيلية، إضافة إلى أن مهمة إسرائيل كدولة وظيفية وقاعدة عسكرية أميركية في المنطقة ربما تتبدل. ويتضح ذلك، مع العدوان الأخير على القدس وغزة وارتفاع منسوب التأييد للفلسطينيين وحقهم مقابل انخفاضه تجاه إسرائيل.

ما يمكن تأكيده أن إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد توحّد فلسطين جغرافياً وديمغرافياً وفي الخطاب والمشروع السياسي، لكن من الخطأ تحديد موعد إعلان وفاتها.

 

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً