هل هُكرت منصة الحفر في “كاريش” فعلاً؟

محمد شمس الدين

كان من المفترض أن يجري العدو الاسرائيلي يوم الأحد اختبار ضخ عكسي للأنابيب في حقل “كاريش”، والأمر أخذ حيزاً واسعاً من الجدال لدى الرأي العام اللبناني والاسرائيلي، فمن جهة هاجم البعض السلطة اللبنانية واعتبرها متخاذلة، ومن جهة أخرى تحاول السلطة الاسرائيلية استثمار المسألة في الانتخابات الحاصلة لديها، وفجأة انتشر خبر عن تهكير إلكتروني طال منصة الحفر مما تسبب في تعطيل تجربة الضخ. والسؤال هل يمكن تهكير منصة الحفر؟ وما علاقة موقع شركة “إنيرجين” بالمنصة؟ هل تربط الشركة شبكتها كلها ببعضها البعض؟ هل هي هفوة من الشركة أم هناك قطبة مخفية؟

أكد مصدر خبير في الشؤون النفطية، ومطلع على مجريات ملف ترسيم الحدود، في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن من الصعب جداً تهكير شبكة منصة حفر للغاز أو البترول، موضحاً أن “الشبكة المرتبطة بمنصة الحفر تكون عادة شبكة مغلقة، وهي ترسل الإحداثيات ثلاثيات الأبعاد من باطن الأرض إلى السيرفير المركزي للشركة، ولا تكون مرتبطة عبر شبكة الانترنت، بل شبكة مغلقة للشركة تديرها عبر الأقمار الصناعية، وإن كان هناك من يستطيع تهكير هذه الشبكة، فهذا أمر خطير جداً، لأن هذا معناه أنه يستطيع أن يتسبب بأضرار كبيرة في شتى المجالات وليس النفط وحسب”.

واذ شكك في واقعة التهكير، اعتبر أن “الأمر مناورات سياسية، وتحديداً أن الاتفاق شبه منجز، والاسرائيليون موافقون عليه، والتجربة التي حصلت يوم الأحد، كانوا قد أبلغوا بها الطرف اللبناني عبر الوسيط الأميركي من قبل، ولكن بين المزايدة الانتخابية الاسرائيلية وخوف الاسرائيليين من أن يقدم حزب الله على أي نوع من العمل العسكري ضد المنصة، يبدو أن التخريجة كانت بإجراء التجربة التي لا يتجاوز وقتها الساعة، والإدعاء بأن هناك تهكيراً حصل تسبب بتعطيل التجربة، وبذلك يكون الجميع رابحاً، ولا يكون هناك رأي عام استفز مما حصل.”

ورأى المصدر أن “عدم تبني أحد عملية التهكير، يعني من المرجح أنها لم تحصل، وتحديداً أن أمراً كهذا يعني سلاحاً قوياً لمن قام بهذه العملية، وهو يهدد مصالح دول عظمى إن كان قادراً على ذلك، أقله كان سيحصل تحقيق في الشركة لمعرفة إن كان أحد موظفيها متواطئاً مع عملية التهكير، فهذا أمر يعتبر خطيراً على مستوى الأمن السيبراني، ومن يمتلك سلاحاً قوياً كهذا يمكنه أن يغير المعادلات في الكثير من الملفات، لذلك على الأرجح هذا التهكير لم يحصل، وربما تم تهكير موقع الشركة الالكتروني الذي لا يرتبط بأي شكل بالشبكة الخاصة بمنصة الحفر”.

ولكن لماذا هذه المسرحية؟

أشار مصدر حزبي رفيع المستوى، معني بملف الترسيم، لموقع “لبنان الكبير” الى أن “ملف الترسيم دخل البازار السياسي اللبناني بصورة كبيرة، مما تسبب بدخول الرأي العام على خطه، وأصبح كل صاحب حساب على مواقع التواصل الاجتماعي خبير طوبوغرافيا ونفط، وكذلك هو خبير عسكري استراتيجي، يستطيع أن يرسم الحدود بنفسه لمصلحة لبنان، وتم إطلاق خبراء غب الطلب، وفقاً للأهواء السياسية للفرقاء في البلد، جهات تريد أن تسوّق الترسيم على أنه انتصار عظيم، وجهات تسعى الى التسويق له على أنه هزيمة نكراء، علماً أن الأمور في هذا الملف ليست أبيض وأسود كما يحاول الفرقاء السياسيون الادعاء، الأمر هو بكل بساطة تمكن لبنان من انتزاع حقوقه، ولكن هذا الوصف لن يستطيع شد العصب الجماهيري للأحزاب السياسية، لذلك أخذ هذه الضجة في الرأي العام اللبناني، ومن جهة ثانية تسببت الانتخابات الاسرائيلية بإقحام ملف الترسيم في المزايدات بين بنيامين نتنياهو ويائير لابيد، ولذك سنشهد مسرحيات عديدة قبل الوصول إلى الخواتيم في هذا الملف، عدا عن أن هناك من يعتبر أنه لا يجب أن يحظى الرئيس ميشال عون بإنجاز ملف الترسيم في عهده.”

إذاً، على الأرجح أن شركة “إنيرجين” قامت بإجراء الاختبار الذي أبلغت عنه السلطات اللبنانية من قبل، ولكن بسبب الضجة المثارة والخوف من أن يؤدي الأمر إلى نسف الاتفاق على خلفية حفظ ماء الوجه لأي من الطرفين، تم الادعاء بأن هناك تهكيراً أصاب منصة الحفر، وهو أمر شبه مستحيل، بل لو أن أحداً يستطيع القيام بعملية تهكير كهذه لكان تمكن من أن يغيّر المعادلات في المنطقة لصالحه، ولاسيما أن أحداً لم يتبنَّ عملية التهكير المفترضة هذه.

شارك المقال