العراق: رئيس جديد وحكومة عتيدة بنكهة ايرانية

علي البغدادي

لم يكن يسيراً على القوى السياسية العراقية النأي عن الضغوط والتأثيرات الايرانية أو الأميركية في حلحلة أزمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتفويض شخصية شيعية مقبولة لتشكيل الحكومة العتيدة، بعد مرور سنة كاملة على اجراء انتخابات تشريعية لم تعكس نتائجها حقيقة من يجب أن يتولى تشكيل الحكومة مما خلخل ثقة الناخب العراقي بها.

كان واضحاً بصورة جلية أن انتخاب الشخصية الكردية البارزة عبد اللطيف رشيد، المقرب من الرئيس الراحل جلال الطالباني بحكم زواجهما من الشقيقتين ابنتي المناضل الكردي المعروف الراحل ابراهيم أحمد، مرّ في البرلمان العراقي بمخاض عسير جسده الانقسام المزمن في البيت الكردي بين محوري مسعود البارزاني (الحزب الديموقراطي الكردستاني) وعائلة الطالباني (الاتحاد الوطني الكردستاني)، اذ رفض محور البارزاني التجديد للرئيس المنتهية ولايته برهم صالح المدعوم من عائلة الطالباني، وقدم أسماء عدة كانت أشبه بمناورة سياسية في إحباط خطط الاتحاد ليمنح في الوقت الضائع اسماً محسوباً على الاتحاد الوطني، على عكس ما كان يطمح اليه بافل الطالباني بترشيح شخصية خالصة الولاء له لكنه رضخ للأمر الواقع الذي يمثل أقل درجات القبول بمعادلة منصب رئيس الجمهورية.

اما المحطة الأبرز والأهم في الاستحقاقات الدستورية المتعلقة بمنصب رئيس الوزراء الجديد، فقد سجل الاطار التنسيقي الذي يضم قوى سياسية وفصائل مسلحة مقربة من ايران بتكليف مرشحه محمد شياع السوداني، مكسباً سياسياً جديداً في الصراع الدائر مع التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر والقوى المعارضة للنفوذ الايراني بعد أشهر من الجدل والتجاذبات السياسية وصولاً الى الاحتجاجات المليونية والصدام المسلح في المنطقة الخضراء على خلفية شكل الحكومة الجديدة.

كان زعيم التيار الصدري متمسكاً بشدة، بعد استقالة نوابه وإخفاقه مع حلفائه السنة والأكراد في تشكيل حكومة الأغلبية، بسلسلة طويلة من المطالب من بينها حل الميليشيات ونزع السلاح وحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة والعلاقة بدول الجوار، وهي مطالب سرعان ما تم التعاطي معها بايجابية من دون الاتفاق على خارطة طريق لتنفيذها، لكن الوقائع على الأرض وصمت الصدريين بعد تكليف السوداني يشيان باحتمالات منها نية التيار الصدري مراقبة الأوضاع لفترة زمنية محددة قبل اتخاذ أي موقف، أو قبوله بالأمر الواقع وانخراطه في تقاسم الوزارات عبر شخصيات مستقلة، أو مد المحتجين المتوقع نزولهم الى الشوارع في 25 تشرين الأول بمخزون بشري داعم يعينهم على مواجهة الحكومة سواء باقامة اعتصامات مفتوحة أو احتجاجات متنقلة للدفع باعلان خارطة طريق لانتخابات مبكرة.

ويمثل تكليف السوداني مرشح الاطار التنسيقي بتشكيل الحكومة نموذجاً للتوافقات الاقليمية بمباركة أميركية من خلال قدرة ايران وتأثيرها ونفوذها في التعامل مع المفاجأة التي تواجهها في الساحة السياسية العراقية بعد أن ظهرت خسارة حلفائها في الانتخابات التشريعية العراقية 2021 ليعودوا الى التصدر بعد انسحاب الصدريين من البرلمان، فاللاعب الايراني في الساحات الأخرى قادر على جني الثمار لمصلحته عبر ما يملكه من أوراق، اذ أن سلاسة المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية اللبنانية – الاسرائيلية وموافقة “حزب الله” عليها كان لهما صداههما الايجابي لدى ادارة جو بايدن التي قدمت لايران مرونة أكبر في العراق ومكسباً سياسياً مكافأة لها على مرونة حليفها في لبنان تجاه مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.

وبحسب مراقبين، فان إيران والولايات المتحدة وامتداداتهما في المنطقة لا ترغب في حدوث صراع مسلح في العراق خصوصاً مع ما يشهده العالم من تداعيات للصراع الروسي – الأوكراني وتأثيره على سوق الطاقة، الى جانب عدم إغفال العامل الدولي الذي تمثل في دعوة ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت الى الحوار وإنهاء مظاهر الصراع على الرغم مما تضمنته احاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي مطلع الشهر الحالي من إدانة القوى السياسية العراقية بالفساد، الذي هو في الحقيقة استشراء لشبكات الجريمة المنظمة وتغلغلها في مؤسسات الدولة والذي أكده تقرير المؤشر العالمي لشبكات الجريمة المنظمة لسنة ۲۰۲۱ .

واللافت أيضاً أن تفويض السوداني بتأليف الحكومة يجسد قوة نفوذ نوري المالكي وتأثيره في المشهد السياسي العراقي على الرغم من تراجعه عن الصدارة الى الكواليس بفرضه شياع مرشحاً وحيداً بعد أن كانت المؤشرات تفيد ببقاء مصطفى الكاظمي رئيساً للحكومة عاماً آخر، وهو ما كان يبشر به أنصاره، لكن يبدو أنه خُذل من داعميه الدوليين.

فالمالكي والقوى السياسية المنضوية في الاطار التنسيقي مارسوا السياسة نفسها التي تجيدها ايران وتعتمدها في حواراتها مع المجتمع الدولي من خلال اعتماد المطاولة السياسية والصبر والعمل للنفس الأخير، وهي سمات لا يتمتع بها التيار الصدري المتذبذب في مواقفه والمتردد في خياراته ولا يحتاج اليها حلفاؤه السنة والأكراد مما مهد الطريق لاعلان مرشح رئاسة الوزراء، فالسياسة كما يحاول الاطاريون تصدير رؤيتهم لها “معركة ومن يعرف أدواتها وخططها وادارتها وتحصين الدفاعات ومكامن النفوذ للخصم يحقق النجاح فيها”، مع أن الخصم قد يستفيد من خسارة جزئية أو مرحلية في اعادة ترتيب أوراقه ويشن هجوماً عكسياً يطيح بما تحقق.

ومع أن من المبكر الحكم على طريقة ادارة السوداني للحكومة، الا أن المؤشرات تظهر وجود رغبة لدى قادة الاطار التنسيقي في اعادة تصحيح المسار من خلال التركيز على تولي قادة الفصائل المسلحة مؤسسات أمنية مهمة وعدم السماح ببقاء شخصيات غير محسومة الولاء في ادارتها، الى جانب أن ملف السياسة الخارجية والعلاقة مع الولايات المتحدة ودول الخليج العربي وبالأخص المملكة العربية السعودية والدول العربية كالأردن ومصر سيكون تحت اشراف دقيق وايقاع تضبط حركته بشكل لا يخرج عن مسار الرؤية الايرانية، بالاضافة الى أن تخلي الاطار عن التزاماته تجاه القوى السياسية الأخرى مستقبلاً من خلال تجاهل المكلف بتشكيل الحكومة الحديث عن اطار زمني للانتخابات المبكرة سيعجل بدخول السيد مقتدى الصدر على خط الهجوم من جديد عبر المطالبة باعادة الانتخابات ومنح المهل للحكومة الجديدة في حال تشكيلها ما قد يعيد الأمور الى نقطة الصفر.

شارك المقال