تحول كبير في ملف النازحين… والكوليرا قنبلة موقوتة

ليندا مشلب
ليندا مشلب

عاد ملف النازحين السوريين الى الواجهة من باب تفعيل خطة عودتهم الطوعية التي تنطلق خلال أيام، والتي أراد رئيس الجمهورية ميشال عون أن يضيفها الى سجل “هذا ما حصل في عهدي” مع الاقرار بأنها أصبحت داهمة جداً، وتأهب لها الأمن العام الذي أعد العدة. فالوضع لم يعد يحتمل في المخيمات التي تحول فيها وخارجها النازح الى مستثمر وعامل، من الاكتظاظ، تراكم النفايات، شح في المياه وفيضان الجور الصحية، زد على ذلك انشاء مصانع حلويات وتربية المواشي في بعض المخيمات من دون أي مراعاة للشروط الصحية والبيئية، وخصوصاً المخيمات التي تحيط بحوض نهر الليطاني الذي تغزو ضفافه نفاياتها والحفر لتجميع المجارير في ظل عدم التزام المفوضية العليا للاجئين بمتابعتهم، اذ لم تكلف نفسها عناء المراقبة والكشف على الرغم من مئات ملايين الدولارات التي تتقاضاها على ظهورهم، وكذلك “اليونيسف” التي لا تفي بالتزاماتها ما يتسبب بمشكلة كبيرة وكارثة انسانية.

لبنان لا يستطيع تحمل أكثر من مئتي ألف نازح سوري على أراضيه، لكن العدد أصبح يوازي ٥٠% من عدد سكانه، فالعودة الطوعية ستتسارع برأي مصدر حكومي لـ “لبنان الكبير”، وعاجلاً أم آجلاً سيدعمها المجتمع الدولي المقسوم تجاه هذه القضية ولكنه أصبح يشعر بالخطر وخصوصاً أن عدد القوارب التي تتجه الى أوروبا من لبنان يزداد، وهو يعيش أزمة مماثلة اليوم مع استقبال أعداد كبيرة من الشعب الأوكراني.

هناك متغيرات دولية يقول المصدر، فالمال الذي يأتي من المنظمات والمؤسسات الدولية لا يعطي أهدافه ونتائجه، لا على المستوى التربوي ولا على المستوى الانساني، اذ تبين صفر تأثير ايجابي على النازح كما على المضيف، ثم ان الدول هدفها سياسي بينما شعوبها هدفها انساني ومن الطبيعي أن يتحرك الشعب ضد القرار السياسي في البلدان الغربية. كما أن الكلفة السنوية التي تكبدها لبنان عناء استضافة النازحين والتي فاقت الـ٣ مليارات دولار سنوياً أثرت بصورة كارثية على اقتصاد لبنان طوال السنوات الماضية، فكيف الآن معطوفة على العوامل الأخرى التي لا تقل خطورة؟

وعلى بطئها، تشكل العودة الطوعية متنفساً للبلدات الحاضنة ورسالة الى المجتمع الدولي، والدفعة الأولى التي سيؤمن عودتها الأمن العام اللبناني للعوائل هي ٤٨٣ عائلة تقسم كما يلي:

٣٠ عائلة من مدينة يبرود

٤٩ عائلة من قرية جراجير

٤٧ عائلة من مدينة قارة

٢١٢ عائلة من قرية المشرفة (فليطة)

٧٠عائلة من قرية رأس المعرة وقرية رأس العين

٥٥ عائلة من قرية السحل

٢٢ عائلة من قرية الصرخة (بيوتها مسواة بالأرض وتحتاج العائلات الى مركز ايواء).

هذا الأسبوع وبناء على هذه اللائحة ستتوجه أول قافلة تضم مجموع ٤٣٠ عائلة أي حوالي ١٦٠٠ سوري مع ٢٣٥ سيارة خصوصية سورية وباصات، من عرسال الى قلمون غرب (بلدة جراجير الحدودية)، وهذه الأسماء أرسلتها المديرية العامة للأمن العام الى وزارة الداخلية السورية وأتت الموافقة عليها، وكان يفترض أن تعود الأربعاء الماضي لكنَّ هناك أموراً لوجستية استدعت التأخير. القافلة ستعبر ممراً آمناً بمواكبة الصليب الأحمر، وقامت السلطات السورية بتأمين مساكن لمن ليست بيوتهم جاهزة في بلداتهم وقراهم، فقد استحدثت مراكز ايواء بلغ عددها ٤٨٠ مركزاً لاستيعاب النازحين ممن هربوا بسبب الحرب، اما اللاجئون السياسيون فالتعاطي معهم مختلف ومن عليه اشارات أمنية تعالج بحسب درجة الاشارة، فالعديد منهم قابلون لـ”تسوية أوضاع” ولكن يحتاجون الى بعض الوقت لاتمام الاجراءات الأمنية، علماً أن حملة تخويف كبيرة رافقت خطة العودة حذرت من اعتقالات وتوقيفات ترافقت مع دعاية غربية وتهديد بقطع الامداد والمساعدات. وبالقانون لا يحق لمفوضية اللاجئين التدخل بين لبنان وسوريا حتى وفق اتفاقية ١٩٥١، وبروتوكول الـ١٩٦٧ الذي لم يوقع لبنان عليه، ثم انها عودة طوعية وليست اجبارية رغماً عنهم. ومؤخراً عادت المفوضية الى الضغط والتدخل عبر اعلانها ارسال مساعدات اضافية لتحفيزهم على البقاء (٧٣٥ مليون دولار) وهي المساعدات التي قفزت مرة جديدة عن الحكومة وبحسب ما يقول مصدر حكومي لـ “لبنان الكبير” ممازحاً: “ما نجحنا بعملية الابتزاز ولن نحصل على الأموال”. علماً أن النازحين يتقاضون ٥٠٠ ألف ليرة شهرياً عن كل فرد على أن لا يتعدى العدد الـ٦ أفراد داخل العائلة، اضافة الى المساعدات التعليمية والطبية.

لكن الأزمة الخطيرة التي تتفاقم عاماً بعد عام ولا يكترث لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة، هي الوضع الخطير الذي وصل الى تأثير النازحين على البنى التحتية والخدمات الصحية التي أصبحت معدومة خصوصاً في ظل الانتشار المخيف للأوبئة والذي يهدد بكوارث انسانية وصحية ليس على النازحين وحسب، انما على البيئة الحاضنة والانتشار السكاني حول المخيمات التي تحولت الى دويلات صغيرة تضم مشاريع ومعامل لا تستوفي الشروط الصحية على الاطلاق، مع التذكير بأن ادارة المخيمات قضمت واستفادت من كل ما هو مدعوم من الدولة وفتحت على حسابها تجارة وعملاً غير شرعي (المخيم مثلاً يدفع ٢ سنت للكيلوواط بينما اللبناني يدفع ١٤ سنتاً على مدى ١١ عاماً) كذلك بالنسبة الى المياه. فقد استفاد النازحون بنسبة ٤٠ بالمئة من الدعم أي نسبة ٤٠ بالمئة من مبلغ الـ١٢ مليار دولار الذي هدر على الدعم، عدا عن التداعيات الاقتصادية التي لها علاقة بالعمالة بحيث أن ثلث النازحين ينافسون اليد العاملة اللبنانية، والقول انهم يحفزون الاقتصاد ويساعدون في تحريك العجلة الاقتصادية هو قول مغرض، فكل الدراسات التي أجريت بعيداً عن العنصرية واستندت الى أرقام علمية وواقعية أكدت أن عبء النازحين يفوق ما يصرفون بأضعاف بالاضافة الى التداعيات الاجتماعية والصحية الأخرى. وبحسب معلومات “لبنان الكبير” فإن أعدادهم فاقت المليونين (٢٠٠ ألف ولادة جديدة منذ أشهر)، وهناك وافدون غير محصيين عبر المعابر غير الشرعية التي تسجل حركة عبور سنوية لنصف مليون سوري. ثم ان هناك جيلاً بأمه وأبيه ولد ونشأ في لبنان منذ ١٠ سنوات فأصبح جيلاً كامل الأوصاف، منخرطاً في المجتمع اللبناني ويشكل خطراً كبيراً على التركيبة اللبنانية وثقافات المجتمع اللبناني الذي لا ينبذ التنوع لكن يتأثر بالانصهار.

اذاً، العمل الجدي لاعادة النازحين انطلق من جديد ويتعاون على تنفيذ الخطة حالياً الأمن العام بالمرتبة الأولى، وزارة الشؤون التي تمسك بالملف على رأس اللجنة الوزارية وبمساعدة وزارة المهجرين والوزير عصام شرف الدين الذي لا يزال يقدم مساعداته عبر المنسقيات على الرغم من الخلاف الكبير مع الرئيس نجيب ميقاتي. اما جديد المخاطر فهو قنبلة الكوليرا الموقوتة التي اذا ما انفجرت داخل أحد المخيمات بسبب الصرف الصحي والتلوث، فإنها ستتمدد الى المناطق السكنية والزراعية المجاورة. فهل أصبح لبنان على موعد مع كارثة جديدة تنتظر ساعة الصفر؟

شارك المقال