لهذه الأسباب “يشيطن” محور الممانعة حركة بخاري!

جورج حايك
جورج حايك

تنشط وسائل إعلام الممانعة التابعة لـ”حزب الله” في “شيطنة” حركة السفير السعودي وليد بخاري، وتشتد الحملات المبرمجة من الجيش الالكتروني التابع لـ”الحزب” عليه تحت عنوان “سفير الفتنة”. ولا شك في أن مواقف بخاري التي تمثّل الخط العربي الأصيل للمملكة العربية السعودية ومقاربتها للأزمة اللبنانية وسُبل الحل، تزعج هذا الفريق الموالي لايران ومشروع الهيمنة على لبنان ومحاولاته لنسف اتفاق الطائف وتغيير هوية لبنان العربية.

من يعرف بخاري، لا بد من أن يلاحظ حساسيته حيال التدخل في “زواريب” السياسة اللبنانية، فالرجل يتكلم عن مبادئ عامة تنطلق من حرص القيادة السعودية على مفهوم الدولة في لبنان والعيش المشترك والسيادة والمحافظة على العلاقات اللبنانية – العربية، فهو مثقف من الدرجة الأولى، ويحرص على التواصل مع رموز الثقافة ورجال الفكر والاعلام الذين ينتمون إلى كل الطوائف اللبنانية من خلال مبادرة “جسور” التي تنظّم لقاءات دورية مع النخب اللبنانية.

حتماً، يحمل بخاري شهادات عليا في الدراسات الديبلوماسية من السعودية وماجستير في السياسات الدولية من جامعة كاليفورنيا فوليرتون في الولايات المتحدة، وشغل أهم المناصب في السعودية وعيّن وزيراً مفوضاً في وزارة الخارجية السعودية عام 2017، قبل أن يُعيّن سفيراً في لبنان عام 2018.

ليس سراً أن وظيفة بخاري التواصل مع كل القوى السياسية اللبنانية التي تؤمن بمفهوم العلاقات الطيّبة بين الدول والتواصل الديبلوماسي وتحرص على هوية لبنان العربية وعدم التدخّل في الشؤون السعودية وخدمة مشاريع اقليمية مشبوهة، لذلك لا يستثني بخاري في لقاءاته أحداً، ومؤخراً كانت له جولات في طرابلس حيث التقى فيصل كرامي واللواء أشرف ريفي، مروراً بنائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي، وصولاً إلى لقاء المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في مكتبه في دار الإفتاء الجعفري.

يتميّز السفير بخاري بالديناميكيّة، لمّاح، ذكيّ، يعلم بعمق تفاصيل السياسة اللبنانية وطبيعة الأزمات التي يعيشها الشعب اللبناني، يتألم لآلامه، ويتفاعل مع الأحداث بأسلوب لافت، يغرّد على “تويتر” على نحو معبّر، ولعل أبرز تغريداته كانت: “افتِراءَاتُ أَبِي رِغَال العَصْرِ وَأكاذيبُهُ لا يَستُرهَا اللَّيلُ وَإن طالَ وَلا مَغِيبُ الشَّمسِ وَلَو حُرِمَتِ الشُّرُوقَ والزَّوال!”.

وتوقيت التغريدة في كانون الثاني 2022 جاء عند نهاية كلمة الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، أما أبو رغال فهو شخصية عربية توصف بأنها رمز الخيانة، اذ رضي أن يكون دليلاً لجيش أبرهة الأشرم، حاكم اليمن من قبل النجاشي ملك الحبشة، في حملته لهدم الكعبة. فأرسل الله الى أبرهة الأشرم وجنوده طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول، وهلك الجيش ومعه أبو رغال وبقي بيت الله.

ويبدو أن السفير السعودي أراد بتغريدته اظهار الشخصيَّة الأكثر خيانةً في تاريخ العرب، ووظفها بدلالات رمزية على شخوص استباحت الأمن القومي العربي في أربع عواصم عربية.

من البديهي أن يرفع بخاري “ضغط” الممانعين حاملي راية المشروع الايراني، لذلك لا يوفّرون فرصة لمهاجمته، ساعة يعتبرونه “غازي كنعان”، وساعة أخرى “رستم غزالة”، وهما الرجلان اللذان كان يحكمان لبنان أيام الاحتلال السوري. وربما يخلط أصحاب هذه الحملات بين مشاعرهم المناهضة للسعودية والتصميم على “شيطنة” صورة بخاري المنفتح.

لكن بصرف النظر عن المشاعر الشخصية والضغينة لدى هؤلاء الذين يدورون في فلك “حزب الله”، هناك أسباب سياسية تبرر رد فعلهم على حركة بخاري:

– أولاً، يقلق هؤلاء من عودة الاهتمام السعودي بالشأن اللبناني والديناميكية التي نجح في خلقها بخاري لإنعاش العلاقات السعودية – اللبنانية، وانفتاحه على كل المكوّنات السياسية اللبنانية المنتمية إلى كل الطوائف، وخصوصاً العلاقة مع المسيحيين، بحيث أطلق البعض لقب “الأم الحنون” على السعودية بعدما كانت فرنسا تستأثر به تاريخياً.

– ثانياً، لا تخفي السعودية حرصها على اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب في لبنان، وهي تعرف أنه نفّذ بطريقة ملتوية أولاً على يد النظام السوري، وثانياً على يد “حزب الله”، وبالتالي تدعم السعودية من خلال حمايتها لاتفاق الطائف صيغة التعايش الاسلامي – المسيحي ولبنان الرسالة والتعددية في مواجهة المشاريع التقسيمية المشبوهة أو الأحادية الميليشيوية التي تهيمن من خلال ايران على القرار الرسمي اللبناني. من هنا يكرر بخاري في كل مناسبة ومحطة تغريدات يذكّر فيها بأهمية اتفاق الطائف، وكان آخرها عبر “تويتر” قائلاً: “وثيقةُ الوفاقِ الوطنيِّ عقدٌ مُلزمٌ لإرساءِ ركائزِ الكيانِ اللبنانيِّ التعدديِّ، والبديلُ عنهُ لن يكونَ ميثاقًا آخر بل تفكيك لعقدِ العيشِ المُشتركِ، وزوالِ الوطنِ الموحَّد، واستبدالهُ بكيانات لا تُشبهُ لُبنانَ الرسالةَ”.

لا يختلف اثنان على أن توقيت التغريدة جاء إثر تحضير السفارة السويسرية لعشاء يجمع بعض الشخصيات السياسية اللبنانية تمهيداً لحوار يُجرى في جنيف قد تكون أهدافه مشبوهة لتغيير الطائف. وكانت هذه التغريدة كافية لتظهير الموقف السعودي، وقد لاقى ذلك رفضاً من بعض القوى السياسية اللبنانية المتوجّسة من هذا العشاء “الغامض”.

– ثالثاً، تعتبر السعودية أن الانتخابات الرئاسية شأن لبناني، والمملكة ستتعامل مع نتائجها، لذلك لا يتدخل السفير السعودي في أسماء المرشّحين ولا في التجاذبات، بل يكتفي بتشجيع القوى السياسية على ممارسة حقّها الدستوري وانتخاب رئيس انقاذي يُخرج لبنان من أزمته، وربما يرى حاجة الى تنظيم حوار لبناني بعد انتخابه، بدليل أن النواب السنّة لم ينتخبوا أي اسم حتى اليوم، وهذا ما يؤكد أن السعودية لا تتدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية.

يعرف السفير وليد بخاري ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه، فهو يريد أن يكون لبنان في منأى عن صراعات المنطقة، ويُدرك أن أزمة لبنان تكمن في “حزب الله”، وليس الطائفة الشيعية الكريمة، إذ تحوّل إلى أداة للمشروع الايراني التوسعي الإستيطاني الإحتلالي الطائفي، مع مزيج من مشروع فوضوي في المنطقة يهدف إلى السيطرة والنفوذ والتوسع في أكبر قدر ممكن من الجغرافيا والثروات، والتحكم بمعتقدات الناس الدينية وتبديلها في المنطقة العربية، عكس السعودية التي يمثّلها بخاري اليوم في لبنان اذ تحترم خصوصيته وتنوّعه وسيادته، تريده دولة عربية مسالمة، مستقرة، ينعم شعبها بالرخاء والازدهار. لهذه الأسباب يُحارب السفير بخاري من بعض القوى السياسية اللبنانية التي تعمل عكس مصلحة لبنان وتقوده إلى الانهيار والفساد والفقر والعزلة العربية والدولية!

شارك المقال