هل تستجيب القوى للدعوة البطريركية بعد فشل المبادرات؟

هيام طوق
هيام طوق

الشغور الرئاسي كان متوقعاً قبل أشهر من حصوله بحيث أن كل المعطيات دلت على أن انتخاب رئيس جديد صعب جداً في ظل الهوة العميقة بين المكونات السياسية، وتعدد الكتل النيابية التي لا يمكن لأي منها ايصال أي شخصية الى سدة الرئاسة، كما أن القوى لم تبد أي استعداد للجلوس مع بعضها البعض للتوافق على القضايا الوطنية بل حافظت على مواقعها في المتاريس المتقابلة ما أدى الى تعقيد الـمور أكثر، والوضع القائم اليوم، والشغور والفراغ وتفتت المؤسسات والانهيارات، خير دليل.

تداركاً للتداعيات الخطيرة لهذا الواقع، دعا البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي خلال أكثر من عظة ومناسبة الى مؤتمر من أجل لبنان بإشراف الأمم المتحدة، لكن لم يحصل اجماع عليه في الداخل، كما أن الظروف الحياتية الصعبة حولت الاهتمام الى شؤون الناس اليومية.

وللخروج من المأزق الرئاسي، برز أكثر من طرح ومن أكثر من جهة دولية ومحلية، وآخرها دعوة السفارة السويسرية في بيروت، إلى مأدبة عشاء، تضم مختلف الأفرقاء، تمهيداً لعقد طاولة حوار في سويسرا، إلا أن الدعوة ولدت ميتة، ولم تحصل بسبب مقاطعة بعض القوى الذي تخوف من خلفياتها السياسية. أما في الداخل، فقد دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الى حوار، لكن لم يكتب له النجاح، واعتذر عن السير قدماً بهذا التوجه نتيجة الاعتراض والتحفظ لاسيما من كتلتي “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”.

وبعد الجلسة النيابية التي خصصت أمس لمناقشة رسالة الرئيس ميشال عون حول نزع التكليف من الرئيس نجيب ميقاتي، حدد الرئيس برّي، يوم الخميس المقبل في 10 الجاري، جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، من المتوقع أن تلقى مصير سابقاتها، ما يعني أن الشغور مديد مع تأكيد بعض المحللين أن كل التحركات والدعوات الى جلسات لانتخاب الرئيس تصب في خانة اضاعة الوقت بانتظار تسوية اقليمية ودولية، تخرج الاستحقاقات الدستورية من عنق الزجاجة. وهنا لا بد أن نسأل: هل تلاقي الأطراف في الداخل دعوة البطريرك الراعي الى عقد مؤتمر خاص بالدولة بإشراف الأمم المتحدة لحل النقاط الخلافية بعد انسداد الأفق اللبناني؟ ولماذا لم يعقد هذا المؤتمر الى اليوم؟

مصادر مقربة من بكركي أوضحت في حديث لـ “لبنان الكبير” أن البطريرك دعا ولا يزال الى مؤتمر يتناول نقاط الخلاف التي تهم اللبنانيين والقضايا التي تقف حجر عثرة أمام تقدم لبنان وتطوره وانتظام عمل الدولة فيه. المسار السياسي منذ سنوات يشير الى أن هناك الكثير من الاصلاحات التي يجب القيام بها في مختلف المؤسسات، ومن دون ذلك سنستمر في الوضع الراهن. الأزمات المتتالية والانهيارات التي عصفت بالبلد، حوّلت اهتمام الجميع الى الأمور الآنية والهموم الحياتية والمعيشية اذ لا يمكن في حالة الجوع التحدث في قضايا كبرى. كما أن بعض القوى السياسية لم يتجاوب مع الدعوة. اما اليوم، فعلى النواب التشاور للوصول الى نتيجة بشأن الرئاسة، وانتخاب شخصية تتمتع بمواصفات على قدر المرحلة الدقيقة والصعبة. رئيس يكون قادراً على وضع البلد على السكة الصحيحة نحو الانقاذ والتعافي. الكنيسة تعبّر عن رأيها وليس الصحف التي تتحدث باسمها في ما يتعلق بموقفها من دعوة الرئيس بري الى الحوار.

وفي قراءة تحليلية للمدير التنفيذي لـ”ملتقى التأثير المدني” زياد الصائغ، قال: “البطريركية المارونية طرحت ضرورة عودة لبنان الى الدستور، والحاضنة العربية، والحاضنة الدولية. بهذا المعنى، يدعو البطريرك الراعي الى تبني الحياد الناشط والفاعل، وهذه مسألة أساسية مرتبطة بجوهر الميثاق اللبناني، وجوهر قيم لبنان على أنه بلد الحرية، والتعدديّة، والأخوّة، وبناء السلام، ويجب أن لا يكون منخرطاً في سياسة المحاور، ولا في أي صراعات إقليمية ودولية. ثم بعد تعطل ديناميات الانقاذ الداخلية، رفع البطريرك الراعي مستوى الخطر الى الكياني ما يستدعي اهتماماً من الشرعيتين العريية والدولية، لذا طالب بانعقاد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة لانقاذ لبنان. المسألتان مرتبطتان ببعضهما البعض، طلب تبني الحياد الناشط الذي هو في جوهر الكيان اللبناني منذ العام 1920، ويمكن أن نعود الى كتابات ووثائق في هذا الخصوص، وترجمه ميثاق 1943. ولبنان عربي الهوية، وكرّس ذلك اتفاق الطائف بما يعني أن عمقه الحيوي الاستراتيجي هو العالم العربي، وللبنان خصوصية اذ أنه حاجة حضارية أكثر منه رقعة جغرافية، لذا قال البابا القديس يوحنا بولس الثاني عنه لبنان أكثر من وطن، هو رسالة حرية وأخوة”.

أضاف الصائغ: “من الواضح جداً أن البطريرك الراعي ثابت في موقفه، انطلاقاً من حرصه على ضرورة صون الهوية اللبنانية الحضارية في مواجهة محاولات الانقضاض عليها، وضرورة العودة الى منطق الدولة والدستور، وهذا ما يتم الانقضاض عليه، وتأكيده على حاجة الانتقال الى دولة المواطنة وتجاوز كل المنعزلات الطائفية والمذهبية. من هنا مشاركة البطريرك الماروني في ملتقى البحرين للحوار، تؤكد عملياً على استمرار نضاله من أجل لبنان، وهو يحمل إرث البطريركية المارونية، لكن حتماً بالشراكة مع إخوته في المواطنة. لذلك، رأيناه محاطاً بمرجعيات إسلامية، سنية وشيعية، وهذه الاحاطة لها رمزية أساسية”.

وعن الأسباب التي أدت الى عدم انعقاد المؤتمر الدولي برعاية الأمم المتحدة الى اليوم، أشار الصائغ الى أن “هذا مسار طويل، وعلينا الاستمرار في مراكمة النضال، وتعود القضية اللبنانية الى أولوية الأجندات العربية والدولية مع أن هناك مؤشرات واضحة على أن لبنان غير متروك على المستوى العربي والدولي، وهناك حرص كبير على إنقاذه وتحييده عن الصراعات القائمة. وهناك خوف كبير على استمرار بعض القوى التي تحمل إيديولوجيا وأجندة إقليمية لا علاقة لها بالقضية اللبنانية، من الاستمرار في الانقضاض على الدستور، وتدمير المؤسسات الدستورية اللبنانية”.

ولفت الى أن “العالم اليوم منشغل بقضايا كبرى كالحرب على أوكرانيا والتضخم العالمي وأزمات النفط اضافة الى كل الانهيارات في لبنان. لذلك، علينا أن ندرك أن هناك آلية ومنهجية علمية وعملية للذهاب في اتجاه بلورة نوعية المؤتمر الذي يجب أن يعقد، والأجندة التي سيحملها والتي تتعلق بالقضايا البنيوية التي يعاني منها لبنان، وفي الوقت نفسه من هي الأطراف التي ستكون حول الطاولة، والتي لا يمكن حصرها بالقوى السياسية فقط خصوصاً بعد ثورة 17 تشرين لأن القوى المجتمعية الحية لها ثقلها في مقاربة الشأن العام، ولا يمكن تجاهل وجودها على أي مسار لقيام مؤتمر دولي.”

وأكد أن “هذا لا علاقة له بالدعوات التي أطلقت منذ أيام حول حوار وطني والذي يناقض كلياً ما تقوم به البطريركية المارونية، اذ المطلوب من مجلس النواب أن ينتخب رئيس الجمهورية، واستعادة الحيوية الى المؤسسات الدستورية، وتطبيق الدستور، وإنفاذ الاصلاحات واستعادة السيادة. في المقابل، كلما أمعنت المنظومة في تدمير المؤسسات الدستورية والانقلاب على الدستور، وتعطيل العدالة، ومنع انطلاق آليات مكافحة الفساذ وإنفاذ الاصلاحات البنيوية والقطاعية على المستويات كافة، هذا الامعان يسير بنا الى تدويل القضية اللبنانية، وهذا ما يجب أن ننتظره ربما في لحظة غير متوقعة ومفاجئة، اذ من الواضح أن المنظومة خصوصاً من يديرها على المستوى الاقليمي، مصممة على استمرار تدمير الهوية اللبنانية والمؤسسات الدستورية واستباحة الدستور”.

وشدد الصائغ على أن “مجلس النواب معني بانتخاب رئيس الجمهورية، وكل كلام خارج سياق انتخاب الرئيس، انقضاض على الدستور وضرب لمفهوم الديموقراطية، وادعاء أدوار غير مؤاتية كلياً لما يطلبه الدستور. كل كلام آخر، وتوجيه الاتهامات، يهدف الى ذر الرماد في العيون، وبات واضحاً في جلسات مجلس النواب من يعطل ومن يطيّر النصاب ومن يقترع بورقة بيضاء”.

شارك المقال