العهد القمعي للحريات حوّل لبنان الى دولة بوليسية

جنى غلاييني

قبل وصوله الى سدّة الرئاسة، لطالما كانت لدى الرئيس السابق ميشال عون مشكلة مع الاعلاميين والصحافيين، مثال ذلك عندما تهجم في مؤتمر صحافي على الاعلامي جو معلوف ناعتاً إيّاه بأوصاف نابية. وزادت مشكلاته مع الاعلام بعد أن أصبح رئيساً، من طرد مراسلة قناة MTV جويس عقيقي من قصر بعدا الى سيل الدعاوى والاستدعاءات ضد وسائل الاعلام من صحف وإذاعات ومواقع الكترونية، وكان لموقع “لبنان الكبير” حصّة من محاولات عون لقمع الاعلام والصحافة اللبنانية.

6 سنوات من العمليات القمعية

أكثر من 801 انتهاك ضد الحريات الاعلامية والثقافية حصلت خلال عهد الرئيس عون، هذا الرقم وثّقه “مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية” (سكايز)، وبحسبه فقد تنوّعت الانتهاكات بين اغتيالات، هجوم مسلح على ممتلكات إعلامية، اعتداء على صحافيين وناشطين من جهات رسمية وغير رسمية، استدعاء واستجواب صحافيين وناشطين، تهديد وتنمّر، قضايا أمام المحاكم تتعلّق بحرية التعبير، رقابة رسمية وغير رسمية على الأعمال الثقافية والنشاطات، حجب محتوى إلكتروني، حكم بالسجن بحقّ صحافيين، أحكام من المحاكم غير المختصة كالمحكمة العسكرية، توقيف واحتجاز صحافيين وناشطين ومواطنين، إضافة إلى استخدام القوة المفرطة والعنف غير المسوّغ بحقّ المتظاهرين والمصورين والصحافيين والمراسلين، وكذلك محاكمة عشرات المتظاهرين والناشطين أمام المحكمة العسكرية.

قبل عهد عون كان لبنان يحتل المرتبة 98 في “التصنيف العالمي لحرية الصحافة” الذي تُصدره منظمة “مراسلون بلا حدود”، الا أن هذا العهد وحده كان كفيلاً بأن يجعل لبنان يتصدّر المراتب الأولى في قمع الحريات، فتراجع وبصورة مفاجئة 32 مرتبة فاحتل المرتبة 130 بين 180 دولة للعام 2022.

شحرور: عدد الانتهاكات لم يسجل من قبل

وأكد المسؤول الاعلامي في “سكايز” جاد شحرور في حديث لـ”لبنان الكبير” أن “هذا العدد من الانتهاكات لم يسجل من قبل منذ تاريخ تأسيس مؤسّسة سمير قصير وبرنامج سكايز الذي يختص برصد الانتهاكات الاعلامية والثقافية، لذا فان 801 انتهاك ضد الحريات الاعلامية والثقافية تشكّل مؤشّراً خطيراً غير مسبوق في أي عهد آخر، وذكرنا في التقرير الذي أصدرناه أنّنا إذا لحقنا بالانتهاكات المرتبطة بتحقير رئيس الجمهورية فنجد في عهد ميشال سليمان أن عددها وصل الى 5 فقط، أمّا في عهد ميشال عون فوصل الى 29، وهذا يدل على أنّ النظام الذي حكم لبنان على مدار 6 سنوات كان نظاماً قمعياً وحوّل لبنان الى دولة بوليسية”.

ولا يعتبر شحرور أنّ عمليات قمع حرية الصحافة والاعلام انتهت مع انتهاء العهد “إنّما يمكن القول إنّ ميشال عون من الأشخاص الذين ساهموا في تطوّر المشهد القمعي، لأن المنظومة السياسية مجتمعةً لا تزال هي نفسها وهناك احتمال أن تزداد أعداد الانتهاكات”.

وعما إذا كان لثورة 17 تشرين دور في زيادة عمليات القمع، أوضح شحرور أن “الثورة شجّعت على أن تكون هناك مبادرات إعلامية مستقلّة تنقل الحقيقة كما هي، وبالطّبع كلّما كانت هناك صحافة تنقل الحقيقة كلّما كان الانتهاك أكثر عن طريق العنف والدعاوى والمضايقات والشتم ضد كل صحافي تصرّف بعكس مزاج النظام”.

ورأى أن “من أبرز الخطوات التي يمكن أن تخفّف من انتهاك حرية الصحافة في لبنان، التزام النظام السياسي بالمعايير الدولية والاتفاقات التي وقّع عليها والتي بدورها تحمي حرية التعبير وحرية الصحافة، فالمشكلة تكمن في الذهنية السياسية بتقبّل مهنة الصحافة كمهنة حقيقية وليست مهنة تنقل أخبار الطوائف السياسية”.

مراد: صفحة سوداء في عهد الغائي

وفي السياق، اعتبر مستشار رئيس حزب “القوات اللبنانية” لشؤون الرئاسة الصحافي أنطوان مراد، تعليقاً على عدد الانتهاكات ضد الصحافيين التي سُجّلت في عهد عون، أن “801 انتهاك، رقم ليس عابراً ولا عاديّاً، وأعتقد أنّه لم يُسجّل من قبل في أي عهد سابق. فقد سجّل ميشال عون صفحة سوداء على مستوى الحريات العامة والحرية الصحافية بصورة أساسية بحق الجمهورية اللبنانية وبحق سمعة لبنان في الخارج، فهذا العدد المقلق وغير الطبيعي يزداد في لبنان – على عكس ما يحدث في الدول الديموقراطية الأخرى – وصولاً الى الاغتيالات وهذا الأمر يذكّرنا بزمن الوصاية، فالصحافي لقمان سليم أحد أبرز الوجوه التي اغتيلت في العام 2021، فضلاً عن الصحافي المصوّر جو بجّاني، وبالتالي هذا يطرح أسئلة كثيرة حول مدى تطابق الكلام والشعارات التي كان يطرحها عون مع الحقيقة”.

من المفترض بعد رحيل ميشال عون أن تتراجع عمليات قمع الصحافة والتنكيل بها وملاحقة الصحافيين والاعلاميين، بحسب ما رأى مراد، مشيراً الى أن “عهد عون كان عهداً إلغائياً بقدر ما استطاع أن يصل إليه من إلغاء الآراء الحرّة وإلغاء الآخرين، وبالطبع هذا بدعم الدويلة أي حزب الله، لأنّ الأساس هو طغيان الدويلة على الدولة، وبالتالي ميشال عون كان مسلّماً أمور الدولة الى الدويلة، ولم تكن لديه أي مشكلة في انتهاك الصحافة وحقوقها”.

وشدد على أن “المسؤول الأول عن حماية الصحافة والاعلام في لبنان هو القضاء، فطالما هناك قضاء مستقل وحر ولا يخضع لا للترهيب ولا للترغيب ولا للابتزاز يعتبر هو حامي الحمى بالنسبة الى الحريات، ولكن في عهد عون كان القضاء مغيّباً أكثر من كونه غائباً لأنّه لم يسمح بإجراء التشكيلات والمناقلات القضائية المطلوبة، وصارت هناك استنسابية من بعض القضاة التابعين لميشال عون، إضافة الى الضغوط التي تعرّض لها بعض القضاة الآخرين، ولكن على الرغم من كل ذلك فالقضاء هو المرجع الأساس للحريات في لبنان، وطالما القضاء مغيب ومعطّل فهناك انتهاكات وعمليات قمع وقتل من دون أي محاسبة”.

شارك المقال