انسحاب بوتين من خيرسون أكبر الهزائم حتى الآن

حسناء بو حرفوش

للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، شارك القادة الروس أخباراً رسمية بصدق حول هزيمة عسكرية، مع الاعلان عن انسحاب من مدينة خيرسون. ومع ذلك، لم يقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في طليعة المعلنين عن الهزيمة، بل وضع كبار قادته العسكريين أمام الكاميرات في خطوة مهمة، توضح من الذي سيتحمل مسؤولية المزيد من الإخفاقات، وفقاً لقراءة للمحلل ماثيو سوسكس.

وحسب سوسكس، “مع ذلك، لا يزال احتمال وجود فخ وارداً بالنسبة الى السلطات الأوكرانية التي ما زالت متشككة بشأن إعلان الانسحاب، وزعمت أن الوحدات الروسية تندمج بين السكان المدنيين وستحاول أخذ القوات الأوكرانية على حين غرة، وتحويل خيرسون إلى حمام دم في حرب حضرية على نطاق مشابه لتدمير ماريوبول الذي شهدته الحرب في وقت سابق. ولذلك، يجب أن يستند أي تحليل للآثار المترتبة على ذلك إلى التحذير من أن هذا قد يكون خدعة روسية. ومع ذلك، كان الانسحاب من خيرسون (الذي استولت عليه القوات الروسية في آذار 2022) مطروحاً لبعض الوقت. وكانت موسكو قد أفرغت المدينة بهدوء من أفضل قواتها خلال الأسابيع القليلة الماضية، واستبدلت قوات النخبة المحمولة جواً بالمجندين الجدد.

وأصبح من المستحيل السيطرة على المدينة في وجه الضربات الصاروخية والمدفعية الأوكرانية التي لا هوادة فيها. كان الانسحاب إلى الضفة الغربية من نهر دنيبرو مع اقتراب فصل الشتاء هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق، مما جعل الممر المائي نفسه خط دفاع طبيعياً يتعين على القوات الأوكرانية عبوره لاستعادة أي أراضٍ أخرى. ولكن هناك ثلاثة أسباب تجعل خسارة روسيا لخيرسون، في حال صدقت مزاعم موسكو، حاسمة على الأرجح لمستقبل الحرب، وربما ثروات بوتين الخاصة.

أهداف حرب الكرملين تبدو الآن مستحيلة

تمتلك خيرسون أهمية استراتيجية، فهي ميناء رئيس، ونقطة تقاطع للأجزاء التي تسيطر عليها روسيا في مناطق دونباس في لوهانسك ودونيتسك، عبر شبه جزيرة القرم، والمدن الساحلية الواقعة على البحر الأسود التي تسيطر عليها أوكرانيا مثل أوديسا. وبعد الفشل في الاستيلاء على كييف وإحداث تغيير قسري للنظام، تحولت أهداف موسكو إلى ربط دونباس بما يسمى “ممر القرم”، مما أدى فعلياً إلى عزل أوكرانيا عن البحر الأسود، وتحويلها إلى دولة غير ساحلية.

لكن خسارة خيرسون تعني فقدان القوات الروسية موطئ قدم غربي نهر دنيبرو للقيام بعمليات هجومية. كما أنها محتجزة جيداً في شمال أوكرانيا حول خاركيف، ولا تزال تتراجع إلى الخطوط الدفاعية التي تم بنيت على عجل بالقرب من ماريوبول وخاكوفكا. وتعمل الأنهار كحواجز دفاعية طبيعية في كلا الاتجاهين: يؤدي التخلي عن الأراضي عبر نهر دنيبرو إلى إبطاء التقدم الأوكراني. ولكن في المقابل يجعل من المستحيل على القوات الروسية إحراز أي تقدم على طول ساحل البحر الأسود، ما لم يتحول مد الحرب بصورة جذرية لصالح روسيا، وهو احتمال بعيد.

القرم في خطر

في حال استعادت قوات كييف مدينة خيرسون، ستصبح الطرق المؤدية إلى شبه جزيرة القرم عرضة لضربات المدفعية الأوكرانية بعيدة المدى والطائرات المسيرة. وتحرر السيطرة على خيرسون القوات الأوكرانية لاعادة انتشارها باتجاه ميليتوبول، الأمر الذي سيهدد شبه جزيرة القرم من الشرق.

والأهم من ذلك ، أن السيطرة الأوكرانية على نهر دنيبرو حول خيرسون قلبت أحد انتصارات بوتين القليلة في أوكرانيا: تأمين المياه العذبة لسكان شبه جزيرة القرم. وردت أوكرانيا على استيلاء روسيا على المنطقة في العام 2014 ببناء سد لتحصين قناة شمال القرم، والتي تزود شبه جزيرة القرم بحوالي 85٪ من مياهها. ودمرت القوات الروسية السد بعد يومين من غزوها في 24 شباط. لكن أوكرانيا تمتلك الآن خيار تهديد إمدادات المياه لشبه جزيرة القرم مرة أخرى، وهذه ورقة قوية على طاولة المفاوضات في أي محاولة مستقبلية لتسوية الصراع.

إهانة شخصية لبوتين

وستشكل خسارة خيرسون علامة أخرى على خسارة فلاديمير بوتين ضمن سلسلة من الهزائم العسكرية. وبالنسبة الى روسيا، السيطرة على منطقة خيرسون أساسية لحماية شبه جزيرة القرم، ولتكون بمثابة نقطة انطلاق للعمليات الهجومية الروسية، مهما تضاءل هذا الاحتمال. وسيشقى الكرملين لتغيير السرد من فشل إلى نجاح بصورة محبطة. وهذا يعني المزيد من الضربات العشوائية والمزيد من الخسائر البشرية”.

شارك المقال